פרופ' רות גביזון.
Below are share buttons

بديل لقانون القومية: حول المواطنة المشتركة في إسرائيل

عدد 04,

إنَّ الخلاف بشأن منح السند الدستوري لرؤية وتطلّعات الدولة على هيئة قانون القومية أو هيئة أخرى يسلّط الضوء على أسئلة محدّدة بشأن مكانة الأقلية العربية في دولة إسرائيل. أعتقد أنَّ التركيز على مشاريع قانون القومية والخلافات حولها ليس من شأنه أن يوفّر لنا قاعدة أو نقاش فكري حول هذه المسألة، وكذلك ليس من شأنه تناول التحدّيات الكامنة فيه. ولذلك فقد رفعتُ توصيات لوزيرة القضاء مفادها الامتناع عن وضع تشريع في الكنيست بشأن رؤية الدولة وتطلّعاتها.

بنظري، فإنه بدل التركيز على سنِّ تشريع معين في هذا الصدد، من الأهمية بمكان تناول السؤال التالي بصورة مباشرة: هل يمكن لرؤية دولة إسرائيل وتطلّعاتها – التي تشمل تحديد المكان حيث يحقّق اليهود تقرير مصيرهم القومي على صعيد الدولة – أن تتضمّن كذلك ديمقراطية مفعمة بالحيوية ومواطنة متكافئة وكاملة ومشاركة هامة للمواطنين غير اليهود، وخاصة أبناء الأقلية العربية الفلسطينية المقيمين في إسرائيل في جميع مؤسّسات الدولة؟ إذا كانت الإجابة إيجابية – كما أعتقد – حينها يجب أن يكون السؤال الحقيقي والهام والمتأجّج هو: كيف يمكن تحقيق رؤية الدولة وتطلّعاتها على أرض الواقع بالطريقة الأمثل. تُفضي خبرتي الطويلة في المشاركة في مجموعات نقاش وحوار يهودية-عربية إلى أنه من الأفضل التركيز على السؤال الثاني (مسألة تحقيق رؤية الدولة وتطلّعاتها) حتى ولو اضطررنا إلى عدم الاتفاق على الإجابة بشأن السؤال الأول.

إنَّ التركيز على السؤال الأول والمسائل المبدئية الخاصة بمسألة إمكانية تحقيق دولة يهودية تعتمد الديمقراطية والمساواة يؤدّي في أغلب الأحيان إلى طريق مسدود، إذ إنَّ مناقشة هذه المسائل تفضي غالبًا إلى مناقشة مسألة المفاهيم والتباينات والتعريفات إضافة إلى استقرارها في الصراع المستمر بين إسرائيل والعالم العربي بصورة عامة والصراع الإسرائيلي الفلسطيني بصورة خاصة. تتعاظم الصعوبة الكامنة في تناول هذه القضايا بالطبع حين ينفجر الصراع المستمر بين اليهود والفلسطينيّين، وعلى الصعيد السياسي بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية، ويتّخذ شكل عملية عسكرية ضارية أو عنفًا متبادلاً، كما شهدنا في الآونة الأخيرة. إنَّ قضايا “الاحتلال” (1967)، و”النكبة” (1948)، والمكانة المدنية للعرب سكّان إسرائيل حاليًا تتداخل بعضها ببعض ومن العسير (وربما كذلك ليس من الصواب) الفصل بينها. ولذلك فإنه من العسير جدًا التوصّل إلى اتّفاق حول الأسئلة المبدئية وتلك المتعلّقة بالتباينات والتعريفات.

يمكن تفهّم مسألة أنَّ ممثلي الأقلية العربية في إسرائيل (الذي يصطلح عليهم تعبير “عرب 1948” أو “فلسطينيو 1948″) يعارضون فكرة المشاركة في منح السند الدستوري لمركَّب يهودية الدولة، وهو ذلك المركَّب الذي يُثبِّت ويصدِّق على صعيد التباينات والتعريفات على الواقع غير المحايد لدولة إسرائيل. وكذلك يمكن تفهّم أنه وفق وجهة نظر جزء من الأكثرية اليهودية فإنَّ هذه المعارضة تعتبر سعيًا لتقويض شرعية حق تقرير المصير للشعب اليهودي، ولذلك فإنَّ هذا الجزء مصمِّم على مساندة هذا الحق والدفاع عنه. ترتبط صعوبة البتِّ في هذه القضايا كذلك بحقيقة أنَّ مسائل حدود الدولة وهوية السكّان والمجتمع المقيم بين ظهرانيها لا تزال مسائل مفتوحة بنظر العديد من قيادات الجمهور العربي واليهودي. وعليه، لا يمكن مناقشة مسألة مكانة السكّان العرب في دولة إسرائيل (في حدود 1967 أو في حدود أخرى متّفق عليها) بصورة مستفيضة طالما لم تتّضح بعد التسوية السياسية لأرض إسرائيل/فلسطين، وماذا ستكون مكانة السكّان العرب في إسرائيل، وماذا ستكون مكانة المواطنين غير اليهود الآخرين فيها، وماذا ستكون التسوية بشأن المطالبة الفلسطينية بـ”حق العودة” للاجئين الفلسطينيّين وذريتهم وغير ذلك؟ وعليه، فبالخلاصّة، يدور النقاش حول هوية الإقليم وتركيبته السكّانية، وإسقاطات ذلك على التسوية السياسية المناسبة للدولة قيد البحث. إنَّ هذا النقاش بالغ الأهمية، ولكن نهايته لا تظهر في الأفق، ويتأسّس حاليًا في داخل إسرائيل واقع اجتماعي سياسي يتعيّن علينا جميعًا المشاركة في بلورته.

إنَّ الربط المشروط بين التقدّم على صعيد المسائل العملية الخاصة بمكانة الأقلية العربية في إسرائيل وبين التوصّل إلى أجوبة متّفق عليها مرتبطة بمسائل أوسع يعني إعاقة التعامل الضروري مع الواقع ذاته القائم في دولة إسرائيل، والتي تعيش بين ظهرانيها غالبية يهودية مستقّرة ترى بمعظمها الدولة بيتها القومي، وأقلية عربية كبيرة تسعى إلى تحقيق مواطنتها الإسرائيلية بالرغم من الشكوك التي تخالجها بشأن شرعية الواقع السياسي القائم واستقراره. بصفتي أرغب باستمرار إسرائيل دولة تعيش فيها أغلبية يهودية تتمتّع بالحق في تقرير المصير والسيطرة على مصيرها، فإنني لا أرغب بالدفع قدمًا بعمليات تسعى إلى تقويض ذلك. بالرغم من ذلك، أدّعي أنه إلى جانب أهمية الهوية القومية اليهودية لإسرائيل (كدولة أقيمت لتوفير مكان واحد في العالم لليهود حيث يعيشون فيها بصفتهم أغلبية، يشكّلون فيه شعبًا حرًّا على تراب أرضه يمكنه السيطرة على مصيره) يجب الأخذ بالحسبان – في مقابل ذلك وليس بدلاً من ذلك – الاعتراف بأنَّ أقلية عربية محلّية كبيرة، تجمعها أواصر أسرية وثقافية وقومية ودينية مع العالم العربي بصورة عامة ومع الفلسطينيّين في الضفّة وغزّة والعالم بصورة خاصة، تعيش في هذه الدولة وستستمر بالحياة فيها. ومن داخل هذا الاعتراف يتعيّن استمداد القواعد الأساس للحياة في إسرائيل: ينطوي تحقيق تقرير المصير للأغلبية اليهودية على الالتزام الكامل بحياة الفئات الدينية والاجتماعية والقومية في الدولة الواحدة إلى جانب الأخرى بصفتها دولة ديمقراطية تمنح المساواة والكرامة لكافّة المواطنين والسكّان.

إنَّ غياب الاستعداد المبدئي، من الجانب اليهودي والجانب العربي، للنقاش بشأن الممارسات والإسقاطات – القانونية والعملية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية – لهذا الواقع المركّب ولهذا الاعتراف بالحياة المشتركة في البلاد يعتبر خسارة جسيمة. إنَّ الادعاء القائل إنَّ هذه المبادئ – حق تقرير المصير لليهود والديمقراطية وحقوق الإنسان – لا تنسجم بعضها مع بعض، ولهذا يتعيّن الاختيار بينها، هو ادّعاء يضع العراقيل أمام القدرة على إنشاء نظام ديمقراطي جدّي ومستوعِب لجميع الفئات في إسرائيل. إنني أرغب بأن تقوم إسرائيل على اعتراف بشأن كون اليهود والعرب جزءًا دائمًا منها، ولهذا فإنَّ من مصلحة جميع السكّان أن يتعلّموا العيش سوية – لمصلحة الدولة وجميع المواطنين والمجتمع المدني ولمصلحة كل فئة من هاتين الفئتين. تستند الحياة المشتركة إلى نظام ديمقراطي يعتمد المساواة والحرية والاحترام المتبادل وتضمن الإطار المشترك لنجاح الدولة، تلك الدولة التي تتم بداخلها الصراعات السياسية والفكرية، وذلك لمصلحة جميع سكّانها وفئاتها. بعبارات أخرى، يتوجّب على القيادة في إسرائيل، اليهودية والعربية على حدّ سواء، أن تتحمّل عبء إدارة الخلافات بين الفئات المختلفة في الدولة – وهي خلافات عميقة وبالغة الأهمية – انطلاقًا من هذا الإطار ومن داخله.

إنني أدرك بأنَّ مثل هذه العبارات تبدو ساذجة في ضوء العواصف الهائجة التي تجتاحنا ليل نهار، والتي تتضمّن الكثير من العنف اللفظي والجسدي. وبالتأكيد تبدو هذه الصورة على هذا النحو حين ندخل في أجواء الانتخابات إذ يتم التأكيد بصورة بالغة على الاختلافات والتباينات أكثر من الالتزام بهذا الإطار المشترك. إلاَّ أنَّ هذه الأجواء ليس من شأنها أن تحوّل القضايا التي وصفتها أعلاه أقل حيوية لنجاح الدولة وتعزيزها ولإدارة سليمة للعلاقة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية.

لهذا، بغية تحقيق هذا الهدف، يتعيّن تغيير الاتجاه. فبدل مناقشة “قانون القومية” بصياغة كهذه أو بأخرى، يجب العمل على أرض الواقع في الآن معًا على جميع المستويات: التباينات والتعريفات الدستورية والسياسية والتربوية. إنَّ التركيز على مستوى واحد وتجاهل المستويات الأخرى لن يساعدنا بشيء. يتعيّن استحداث أجواء تُمكِّن القيادات السياسية – وليس للعاملين الميدانيّين فقط – من العمل للدفع قدمًا بالحلول العملية للمشاكل العينية، وفي ذات الوقت التمتّع بمبادئ لا يمكن تأويلها على أنها “تعاون” مع تلك الفئات التي تحمل مبادئ مناقضة أو “تواطؤ” مع مواقفها. يتعيّن الحديث عن مواطنة مشتركة داخل إسرائيل. كما ويتعيّن أن تتمتّع هذه المواطنة بدلالات حقيقية على صعيد الخطاب كذلك. وبإسم هذه المواطنة، من المحبّذ والضروري التأكيد على تصريحات واعتماد نشاطات تدعم هذا الإطار المشترك وليس تعزيز مفاهيم ورواية وطموحات حصرية لفئة واحدة فقط.

إنَّ هذه المطالبة غير موجّهة إلى القيادة فحسب، بل إلى جميعنا، نحن جمهور المواطنين. نمنح أصواتنا لأولئك القادة الذين ينجحون بالدمج بين النضال الجسور والأبيّ من أجل المصالح الجمعية المختلفة وبين التعاون على أساس الاحترام المتبادل من أجل المصالح المشتركة فقط. إنَّ من شأن هذا الدمج فقط أن يؤدّي بجميعنا إلى تشكيل مجتمع منفتح وديمقراطي ومزدهر.


بروفيسور روت غابيزون هي أستاذة كرسي على اسم حاييم هـ. كوهن لحقوق الإنسان في الجامعة العبرية في القدس،

إنَّ الخلاف بشأن منح السند الدستوري لرؤية وتطلّعات الدولة على هيئة قانون القومية أو هيئة أخرى يسلّط الضوء على أسئلة محدّدة بشأن مكانة الأقلية العربية في دولة إسرائيل. أعتقد أنَّ التركيز على مشاريع قانون القومية والخلافات حولها ليس من شأنه أن يوفّر لنا قاعدة أو نقاش فكري حول هذه المسألة، وكذلك ليس من شأنه تناول التحدّيات الكامنة فيه. ولذلك فقد رفعتُ توصيات لوزيرة القضاء مفادها الامتناع عن وضع تشريع في الكنيست بشأن رؤية الدولة وتطلّعاتها.

بنظري، فإنه بدل التركيز على سنِّ تشريع معين في هذا الصدد، من الأهمية بمكان تناول السؤال التالي بصورة مباشرة: هل يمكن لرؤية دولة إسرائيل وتطلّعاتها – التي تشمل تحديد المكان حيث يحقّق اليهود تقرير مصيرهم القومي على صعيد الدولة – أن تتضمّن كذلك ديمقراطية مفعمة بالحيوية ومواطنة متكافئة وكاملة ومشاركة هامة للمواطنين غير اليهود، وخاصة أبناء الأقلية العربية الفلسطينية المقيمين في إسرائيل في جميع مؤسّسات الدولة؟ إذا كانت الإجابة إيجابية – كما أعتقد – حينها يجب أن يكون السؤال الحقيقي والهام والمتأجّج هو: كيف يمكن تحقيق رؤية الدولة وتطلّعاتها على أرض الواقع بالطريقة الأمثل. تُفضي خبرتي الطويلة في المشاركة في مجموعات نقاش وحوار يهودية-عربية إلى أنه من الأفضل التركيز على السؤال الثاني (مسألة تحقيق رؤية الدولة وتطلّعاتها) حتى ولو اضطررنا إلى عدم الاتفاق على الإجابة بشأن السؤال الأول.

إنَّ التركيز على السؤال الأول والمسائل المبدئية الخاصة بمسألة إمكانية تحقيق دولة يهودية تعتمد الديمقراطية والمساواة يؤدّي في أغلب الأحيان إلى طريق مسدود، إذ إنَّ مناقشة هذه المسائل تفضي غالبًا إلى مناقشة مسألة المفاهيم والتباينات والتعريفات إضافة إلى استقرارها في الصراع المستمر بين إسرائيل والعالم العربي بصورة عامة والصراع الإسرائيلي الفلسطيني بصورة خاصة. تتعاظم الصعوبة الكامنة في تناول هذه القضايا بالطبع حين ينفجر الصراع المستمر بين اليهود والفلسطينيّين، وعلى الصعيد السياسي بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية، ويتّخذ شكل عملية عسكرية ضارية أو عنفًا متبادلاً، كما شهدنا في الآونة الأخيرة. إنَّ قضايا “الاحتلال” (1967)، و”النكبة” (1948)، والمكانة المدنية للعرب سكّان إسرائيل حاليًا تتداخل بعضها ببعض ومن العسير (وربما كذلك ليس من الصواب) الفصل بينها. ولذلك فإنه من العسير جدًا التوصّل إلى اتّفاق حول الأسئلة المبدئية وتلك المتعلّقة بالتباينات والتعريفات.

يمكن تفهّم مسألة أنَّ ممثلي الأقلية العربية في إسرائيل (الذي يصطلح عليهم تعبير “عرب 1948” أو “فلسطينيو 1948″) يعارضون فكرة المشاركة في منح السند الدستوري لمركَّب يهودية الدولة، وهو ذلك المركَّب الذي يُثبِّت ويصدِّق على صعيد التباينات والتعريفات على الواقع غير المحايد لدولة إسرائيل. وكذلك يمكن تفهّم أنه وفق وجهة نظر جزء من الأكثرية اليهودية فإنَّ هذه المعارضة تعتبر سعيًا لتقويض شرعية حق تقرير المصير للشعب اليهودي، ولذلك فإنَّ هذا الجزء مصمِّم على مساندة هذا الحق والدفاع عنه. ترتبط صعوبة البتِّ في هذه القضايا كذلك بحقيقة أنَّ مسائل حدود الدولة وهوية السكّان والمجتمع المقيم بين ظهرانيها لا تزال مسائل مفتوحة بنظر العديد من قيادات الجمهور العربي واليهودي. وعليه، لا يمكن مناقشة مسألة مكانة السكّان العرب في دولة إسرائيل (في حدود 1967 أو في حدود أخرى متّفق عليها) بصورة مستفيضة طالما لم تتّضح بعد التسوية السياسية لأرض إسرائيل/فلسطين، وماذا ستكون مكانة السكّان العرب في إسرائيل، وماذا ستكون مكانة المواطنين غير اليهود الآخرين فيها، وماذا ستكون التسوية بشأن المطالبة الفلسطينية بـ”حق العودة” للاجئين الفلسطينيّين وذريتهم وغير ذلك؟ وعليه، فبالخلاصّة، يدور النقاش حول هوية الإقليم وتركيبته السكّانية، وإسقاطات ذلك على التسوية السياسية المناسبة للدولة قيد البحث. إنَّ هذا النقاش بالغ الأهمية، ولكن نهايته لا تظهر في الأفق، ويتأسّس حاليًا في داخل إسرائيل واقع اجتماعي سياسي يتعيّن علينا جميعًا المشاركة في بلورته.

إنَّ الربط المشروط بين التقدّم على صعيد المسائل العملية الخاصة بمكانة الأقلية العربية في إسرائيل وبين التوصّل إلى أجوبة متّفق عليها مرتبطة بمسائل أوسع يعني إعاقة التعامل الضروري مع الواقع ذاته القائم في دولة إسرائيل، والتي تعيش بين ظهرانيها غالبية يهودية مستقّرة ترى بمعظمها الدولة بيتها القومي، وأقلية عربية كبيرة تسعى إلى تحقيق مواطنتها الإسرائيلية بالرغم من الشكوك التي تخالجها بشأن شرعية الواقع السياسي القائم واستقراره. بصفتي أرغب باستمرار إسرائيل دولة تعيش فيها أغلبية يهودية تتمتّع بالحق في تقرير المصير والسيطرة على مصيرها، فإنني لا أرغب بالدفع قدمًا بعمليات تسعى إلى تقويض ذلك. بالرغم من ذلك، أدّعي أنه إلى جانب أهمية الهوية القومية اليهودية لإسرائيل (كدولة أقيمت لتوفير مكان واحد في العالم لليهود حيث يعيشون فيها بصفتهم أغلبية، يشكّلون فيه شعبًا حرًّا على تراب أرضه يمكنه السيطرة على مصيره) يجب الأخذ بالحسبان – في مقابل ذلك وليس بدلاً من ذلك – الاعتراف بأنَّ أقلية عربية محلّية كبيرة، تجمعها أواصر أسرية وثقافية وقومية ودينية مع العالم العربي بصورة عامة ومع الفلسطينيّين في الضفّة وغزّة والعالم بصورة خاصة، تعيش في هذه الدولة وستستمر بالحياة فيها. ومن داخل هذا الاعتراف يتعيّن استمداد القواعد الأساس للحياة في إسرائيل: ينطوي تحقيق تقرير المصير للأغلبية اليهودية على الالتزام الكامل بحياة الفئات الدينية والاجتماعية والقومية في الدولة الواحدة إلى جانب الأخرى بصفتها دولة ديمقراطية تمنح المساواة والكرامة لكافّة المواطنين والسكّان.

إنَّ غياب الاستعداد المبدئي، من الجانب اليهودي والجانب العربي، للنقاش بشأن الممارسات والإسقاطات – القانونية والعملية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية – لهذا الواقع المركّب ولهذا الاعتراف بالحياة المشتركة في البلاد يعتبر خسارة جسيمة. إنَّ الادعاء القائل إنَّ هذه المبادئ – حق تقرير المصير لليهود والديمقراطية وحقوق الإنسان – لا تنسجم بعضها مع بعض، ولهذا يتعيّن الاختيار بينها، هو ادّعاء يضع العراقيل أمام القدرة على إنشاء نظام ديمقراطي جدّي ومستوعِب لجميع الفئات في إسرائيل. إنني أرغب بأن تقوم إسرائيل على اعتراف بشأن كون اليهود والعرب جزءًا دائمًا منها، ولهذا فإنَّ من مصلحة جميع السكّان أن يتعلّموا العيش سوية – لمصلحة الدولة وجميع المواطنين والمجتمع المدني ولمصلحة كل فئة من هاتين الفئتين. تستند الحياة المشتركة إلى نظام ديمقراطي يعتمد المساواة والحرية والاحترام المتبادل وتضمن الإطار المشترك لنجاح الدولة، تلك الدولة التي تتم بداخلها الصراعات السياسية والفكرية، وذلك لمصلحة جميع سكّانها وفئاتها. بعبارات أخرى، يتوجّب على القيادة في إسرائيل، اليهودية والعربية على حدّ سواء، أن تتحمّل عبء إدارة الخلافات بين الفئات المختلفة في الدولة – وهي خلافات عميقة وبالغة الأهمية – انطلاقًا من هذا الإطار ومن داخله.

إنني أدرك بأنَّ مثل هذه العبارات تبدو ساذجة في ضوء العواصف الهائجة التي تجتاحنا ليل نهار، والتي تتضمّن الكثير من العنف اللفظي والجسدي. وبالتأكيد تبدو هذه الصورة على هذا النحو حين ندخل في أجواء الانتخابات إذ يتم التأكيد بصورة بالغة على الاختلافات والتباينات أكثر من الالتزام بهذا الإطار المشترك. إلاَّ أنَّ هذه الأجواء ليس من شأنها أن تحوّل القضايا التي وصفتها أعلاه أقل حيوية لنجاح الدولة وتعزيزها ولإدارة سليمة للعلاقة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية.

لهذا، بغية تحقيق هذا الهدف، يتعيّن تغيير الاتجاه. فبدل مناقشة “قانون القومية” بصياغة كهذه أو بأخرى، يجب العمل على أرض الواقع في الآن معًا على جميع المستويات: التباينات والتعريفات الدستورية والسياسية والتربوية. إنَّ التركيز على مستوى واحد وتجاهل المستويات الأخرى لن يساعدنا بشيء. يتعيّن استحداث أجواء تُمكِّن القيادات السياسية – وليس للعاملين الميدانيّين فقط – من العمل للدفع قدمًا بالحلول العملية للمشاكل العينية، وفي ذات الوقت التمتّع بمبادئ لا يمكن تأويلها على أنها “تعاون” مع تلك الفئات التي تحمل مبادئ مناقضة أو “تواطؤ” مع مواقفها. يتعيّن الحديث عن مواطنة مشتركة داخل إسرائيل. كما ويتعيّن أن تتمتّع هذه المواطنة بدلالات حقيقية على صعيد الخطاب كذلك. وبإسم هذه المواطنة، من المحبّذ والضروري التأكيد على تصريحات واعتماد نشاطات تدعم هذا الإطار المشترك وليس تعزيز مفاهيم ورواية وطموحات حصرية لفئة واحدة فقط.

إنَّ هذه المطالبة غير موجّهة إلى القيادة فحسب، بل إلى جميعنا، نحن جمهور المواطنين. نمنح أصواتنا لأولئك القادة الذين ينجحون بالدمج بين النضال الجسور والأبيّ من أجل المصالح الجمعية المختلفة وبين التعاون على أساس الاحترام المتبادل من أجل المصالح المشتركة فقط. إنَّ من شأن هذا الدمج فقط أن يؤدّي بجميعنا إلى تشكيل مجتمع منفتح وديمقراطي ومزدهر.


بروفيسور روت غابيزون هي أستاذة كرسي على اسم حاييم هـ. كوهن لحقوق الإنسان في الجامعة العبرية في القدس،

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות