פרופ' ח'אולה אבו בקר
Below are share buttons

صورة النساء في مجلات خاصة بالمرأة تصدر باللغة العربية في إسرائيل

عدد 03,

في إسرائيل، يعكس الإعلام المقروء المبنى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للفلسطينيّين في الدولة. يعكس الإعلام الواقع من جهة، ويشكّله من جهة أخرى عبر استخدامه منظومة الخطاب المهيمن واستنساخه لها.[1] تعتبر مجلات المرأة أداة وضعت خصيصًا وبشكل صريح لجمهور النساء. توفّر هذه المجلات نافذة أمام المجتمع لإدارة الخطاب حول النساء وضمان مشاركتهن به. يعكس استخدام المجلات، عبر عرضها للنساء ولقضاياهن ولعوالمهن على صفحاتها، مزاج القوى المؤثّرة على الرواية الجندرية الثقافية والاجتماعية والقيمية للمجتمع في مرحلة زمنية معينة. إذ يعتبر الإعلام، المقروء والمسموع والمرئي، مصدرًا للتعليم وتوفير المُثل التي يتعيّن تقليدها والتماثل معها، إضافة إلى كونه مصدرًا للمقارنة. وعليه، هنالك ضرورة وأهمية لفحصه بصورة معمّقة. تعتبر الفقرات التالية تلخيصًا لدراسة أجريتها حول المجلتين ليلك وليدي شملت فحصًا لرسائلها الصريحة والضمنية.[2]

تحوّلت القضايا الرئيسة في وسائل الإعلام العربية، ومن ضمنها الإعلام الموجّه للنساء، منذ نهاية القرن العشرين، من المستويات المحلّية إلى المستويات الإقليمية، وذلك بسبب إنشاء قنوات تلفزيونية تعتمد البثّ على الأقمار الاصطناعية واعتماد الشبكة العنكبوتية إضافة إلى إصدار دوريات تعنى بالنساء العربيات على المستوى الإقليمي وتتناول قضايا من جميع أرجاء العالم العربي. وفق أميرة عيسى،[3] فإن تمثيل صورة المرأة العربية هو نتاج لكتابات الصحافيّين والعاملين في الإعلام الإلكتروني والمسئولين عن مواقع الإنترنت، جلّهم من الرجال، ينتجون الخطاب ويشكّلونه ويسيطرون عليه وعلى سيرورة اتخاذ القرار بما يتعلّق فيه. وكذلك، فإن الصحافيات المؤهّلات في العالم العربي مُستبعدات من الوظائف العليا المؤثّرة، لا يقمن بتحقيقات صحافية بسبب القيود المفروضة على تحركاتهن، ومستبعدات من دوائر اتخاذ القرار، وأجورهن أدنى من أجور زملائهن الرجال، وعمليًا فإن عملهنّ يقتصر على تنفيذهن للخط التحريري الذي وضعه الصحافيون الرجال. لقد أنشأت أميرة عيسى مشروعًا للرصد الإعلامي (media watch) يُعنى بمضامين الإعلام الخاصة بالنساء. وقد استنتج هذا المشروع أن 80% من المواد المعروضة عن النساء في قنوات التلفزيون المعتمدة على البثّ عبر الأقمار الاصطناعية هي مواد سلبية في مضامينها، وتعرض هذه القنوات بصورة جارحة مواد تحطّ من المستويات العقلية للنساء واستخدامهن لأجسادهن ومنظومة القيم التي تحملنها.

هنالك غياب شبه تام للصحافيات في الصحف العربية في إسرائيل، وغالبًا ما يعملن في هذه الصحف بصورة مؤقّتة وفي مناصب دونية،[4] باستثناء المحرّرتان الرئيستان لمجلتي المرأة – نهاية سعدي سويطات – محرّرة مجلة ليدي، ويارا مشعور – محرّرة مجلة ليلك. ولكن، وبالرغم من تصريحاتهن بخصوص سعيهن لتشغيل صحافيات “لأنهن يفهمن قضايا النساء”، إلاّ أن عدد الصحافيات في هاتين المجلتين لا زال ضئيلاً.

أسئلة البحث الرئيسة:

  1. هل تعكس مجلات المرأة الناطقة باللغة العربية واقع النساء الفلسطينيات في إسرائيل؟
  2. ما هي الرسائل الصريحة والضمنية حول الرفاهية الذاتية المنشورة في هذه المجلات؟

لقد فُحصت أعداد صدرت خلال سنتين وأُخضعت لتحليل المضامين والشكل. تتراوح النتائج بين الجيدة والسيئة قياسًا بواقع الحال في العالم العربي. يتّضح من تحليل المضامين أن حالة النساء الفلسطينيات في إسرائيل جيد جدًا، إذ إنهن لسن بحاجة إلى النضال من أجل حقّهن بالخروج إلى سوق العمل، ولا يبذلن جهودًا فكرية وعاطفية وبراغماتية في جدل حول لبس الحجاب أو عدمه في الحيّز العام. ولكن، وبالرغم من ذلك، يتّضح من مقارنة بين أعداد ووظائف الصحافيات الفلسطينيات في إسرائيل مع وضعهن في العالم العربي أن وضع الصحافيات ل في العالم العربي أفضل بكثير، وخاصة بفضل الصحف والمجلات العديدة التي تتيح لهن فرص العمل المأجور والتخصّص المهني في مجالات الإعلام. وبالمقابل، فإن فرص العمل المتاحة أمام الصحافيات الفلسطينيات في إسرائيل محدودة جدًا، وينشرن غالبا في مجال التربية والتعليم والقضايا الاجتماعية ونسبة قليلة جدًا منهن ينشرن في مجالي الاقتصاد والسياسة، الأمر الذي يحرمهن فرص التأثير الحقيقي.

تشكّل المجلات المشاركة في البحث الواقع بما يتلاءم مع القوى الفاعلة في السوق ومع الاحتياجات الاقتصادية. عبر الإعلانات والمقابلات والنشاطات المرافقة الأخرى، مثل مهرجانات إختيار ملكات الجمال، تقوم هذه المجلات بتشكيل ما يطلق عليه تعبير “المجال المثالي”، حيث تؤكّد هذه المجلات لجمهور القارئات من النساء العثور على السعادة وتحقيق الذات إذا ما تبنت مضامين “المجال المثالي”. تتناقض هذه الصور المتضمنة في “المجال المثالي” مع واقع النساء الفلسطينيات في إسرائيل، إذ يعشن في مجتمع فقير تصل نسب مشاركتهن في سوق العمل إلى مستويات متدنية جدا، ودخلهن متواضع جدًا، ويشكلن فئة متآكلة نفسيًا وإجتماعية بسبب المطالبات الإجتماعية المتناقضة الموجّهة نحوهن كنساء عاملات وزوجات تقليديات.[5] تركز المجلتان الضوء على حياة بعض النساء اللاتي يعمل بمجالات نادرة، مثل المطربات والممثلات وعارضات الأزياء، وهي أعمال وأساليب حياة لا تعكس الحياة الاجتماعية السائدة بين النساء الفلسطينيات في إسرائيل. تعيد الإعلانات المنشورة في مثل هذه المجلات تشكيل الأدوار الجندرية للنساء، وتعيد إنتاج الأدوار المتوارثة في المجتمع التقليدي. وفي هذا السياق، تقوم المجلتان بتعزيز التراث والتقاليد وتدخلان إلى وعي الجيل الناشئ التقسيم الجندري القائم مغلّفا بصور لأشهر عارضات الأزياء وتظهر على صفحاتها دعايات تجارية لمنتجات “يجب على النساء المعاصرات إقتناءها”.

إن الفجوة التي تفصل بين الرسائل العصرية الضمنية، التي تظهر على الصفحات الخاصة بالدعايات التجارية، وبين المضامين الخاصة بالمواضع التي تتناول المشاكل النفسية والجنسية والإجتماعية والإقتصادية للنساء، تؤدي إلى زعزعة حياة الشابات اللاتي ينزعن إلى تبنّي ما يقرأن. هناك تناقض بين صورة المرأة الشابة الغنية والمشغولة بمظهرها الخارجي، والمتابعة للمستجدّات في دور الأزياء العربية والعالمية، المهتمة بالماكياج وعمليات التجميل وعيادات صناعة الجمال، وبين الواقع اليومي المعاش للنساء الفلسطينيات في إسرائيل. أكدت النتائج على أن المجلات المشاركة في الدراسة تعمل على تثبيت الأدوار التقليدية للنساء ضمن حدود القيم التقليدية السائدة والمقبولة في الحيز الشخصي. وقد تعزّز طرح زينت حفني[6] التالي كذلك من خلال فحص حالة النساء الفلسطينيات في إسرائيل: إن الرجال العرب مسجونون ضمن حدود موروثهم الثقافي ولا زالوا يسعون إلى “تدجين” النساء اجتماعيًا.

إن النساء اللاتي يرغبن بالتمثّل بالشخصيات “النموذجية” التي تظهر في الصحف والمجلات العربية يجب أن يظهرن كشخصيات منصاعة، وداعمة، وتؤثر الآخرين على ذاتها، وتعاني بصمت، ومثيرة جنسيًا، ومحتشمة، وتهتم بجسدها، ومحترفة، وربّة بيت، ومبادرة وخاضعة. بعبارات أخرى، يتعيّن على النساء، وفق هذه المجلات، التمتّع بمزايا متناقضة تمسّ بتوازن الشخصية بدلاً من رعايتها. إن صورة المرأة هذه التي لا شكل واضح لها، وتقوم على تناقضات جمّة، هي نتاج هذه المواقف المتناقضة للمجتمع العربي منها. عبر قراءة القضايا المنشورة في هذه المجلات تصلنا رسائل ضمنية وصريحة مفادها أن الهدف المركزي والأهم هو رعاية الرجل وتعزيز مشاعر الرفاهية عنده، ولذلك يتعيّن على المرأة أن تلائم نفسها مع هذا الهدف. وعليه، تلعب مجلات النساء العربيات أدوارًا متناقضة: فمن جهة تتيح لهن الفرصة لإبراز قدراتهن والتنافس مع الرجال، وتعزّز من جهة أخرى النظرة النمطية التي تؤكّد على صورة المرأة بوصفها زوجة وأما وربّة بيت مستهلكة وخاضعة. يمتنع التوجّه القائم على الدافع التجاري من اعتماد مواقف ينتج عنها صراعا مع الموروث الثقافي والتراث الاجتماعي.

تحمل المجلات العربية في إسرائيل على كاهلها وظيفتين متعارضتين: فهي تعرض أمام جمهور النساء عالما استهلاكيا متقدّما، وتقوم في نفس الوقت بنقل الواقع الاجتماعي الجندري التقليدي كما هو ثم تقوم بتثبيته في العقل الجمعي. لا توفّر هذه المجلات أدوات حقيقية وعلمية للتعامل مع الإختيارات الإجتماعية والتغييرات والتحدّيات الماثلة أمام النساء، بل تحصل النساء على صور منحازة بشأن المشاكل النفسية والاجتماعية وتبقى بلا حلول مهنية وناجعة. لا توفّر مجلات النساء هذه منبرًا وفرصة بهدف نقل المزاج العام المتصارع السائد للنقاش القيمي الإجتماعي بشأن قضايا النساء وكذلك للقوى المؤثرة على الرواية الثقافية الإجتماعية القيمية للمجتمع.


  • البروفيسور خولة ابو بكر، هي محاضرة في أكاديمية القاسمي للتربية والكلية الأكاديمية عيمق يزرعئيل

[1] أمل جمّال وأميمة ذياب. تمثيل النساء في أخبار الصحافة العربية التجارية في إسرائيل، الناصرة: إعلام – مركز إعلامي للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، 2006. ويُنظر كذلك: أمل جمّال، الصحافة والإعلام في إسرائيل، رام الله: مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2005.

[2] خولة أبو بكر، “تأثير صورة النساء العربيات في مجلات المرأة على تشكيل رفاهيتهن الذاتية”، فيصل عزايزة، وخولة أبو بكر، وراحيل هيرتس-لزروبيتش وأسعد غانم (محرّرون)، نساء عربيات في إسرائيل: الحالة القائمة ورؤية مستقبلية، تل أبيب: راموت، 2009، 71- 90. [بالعبرية]

[3] أميرة عيسى، 2008 “مراصد صورة المرأة العربية في الإعلام”، بوابة المرأة (موقع إلكتروني: http://www.womengateway.com).

[4] ملحوظة الفريق الإداري: بعد الانتهاء من الدراسة عُيِّنت عايدة توما-سليمان محرّرة للصحيفة اليومية الاتحاد.

[5] للتوسّع في هذا الموضوع، يُنظر:

Abu Baker, Khawla. “‘Career Women’ or ‘Working Women’? Change versus Stability for Young Palestinian Women in Israel,” The Journal of Israeli History 21(2), (2002), 85-109.

[6] زينب حفني، “المرأة في الإعلام العربي”، مجلة ديوان العرب (22 نيسان 2007): http://www.diwanalarab.com/spip.php?article8727

للتوسّع، يُنظر: مريم سليم، “تهميش دور المرأة العربية في وسائل الإعلام”، مجلة ديوان العرب (9 أيلول 2008):

http://beta.14october.com/news.aspx?newsno=54523

في إسرائيل، يعكس الإعلام المقروء المبنى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للفلسطينيّين في الدولة. يعكس الإعلام الواقع من جهة، ويشكّله من جهة أخرى عبر استخدامه منظومة الخطاب المهيمن واستنساخه لها.[1] تعتبر مجلات المرأة أداة وضعت خصيصًا وبشكل صريح لجمهور النساء. توفّر هذه المجلات نافذة أمام المجتمع لإدارة الخطاب حول النساء وضمان مشاركتهن به. يعكس استخدام المجلات، عبر عرضها للنساء ولقضاياهن ولعوالمهن على صفحاتها، مزاج القوى المؤثّرة على الرواية الجندرية الثقافية والاجتماعية والقيمية للمجتمع في مرحلة زمنية معينة. إذ يعتبر الإعلام، المقروء والمسموع والمرئي، مصدرًا للتعليم وتوفير المُثل التي يتعيّن تقليدها والتماثل معها، إضافة إلى كونه مصدرًا للمقارنة. وعليه، هنالك ضرورة وأهمية لفحصه بصورة معمّقة. تعتبر الفقرات التالية تلخيصًا لدراسة أجريتها حول المجلتين ليلك وليدي شملت فحصًا لرسائلها الصريحة والضمنية.[2]

تحوّلت القضايا الرئيسة في وسائل الإعلام العربية، ومن ضمنها الإعلام الموجّه للنساء، منذ نهاية القرن العشرين، من المستويات المحلّية إلى المستويات الإقليمية، وذلك بسبب إنشاء قنوات تلفزيونية تعتمد البثّ على الأقمار الاصطناعية واعتماد الشبكة العنكبوتية إضافة إلى إصدار دوريات تعنى بالنساء العربيات على المستوى الإقليمي وتتناول قضايا من جميع أرجاء العالم العربي. وفق أميرة عيسى،[3] فإن تمثيل صورة المرأة العربية هو نتاج لكتابات الصحافيّين والعاملين في الإعلام الإلكتروني والمسئولين عن مواقع الإنترنت، جلّهم من الرجال، ينتجون الخطاب ويشكّلونه ويسيطرون عليه وعلى سيرورة اتخاذ القرار بما يتعلّق فيه. وكذلك، فإن الصحافيات المؤهّلات في العالم العربي مُستبعدات من الوظائف العليا المؤثّرة، لا يقمن بتحقيقات صحافية بسبب القيود المفروضة على تحركاتهن، ومستبعدات من دوائر اتخاذ القرار، وأجورهن أدنى من أجور زملائهن الرجال، وعمليًا فإن عملهنّ يقتصر على تنفيذهن للخط التحريري الذي وضعه الصحافيون الرجال. لقد أنشأت أميرة عيسى مشروعًا للرصد الإعلامي (media watch) يُعنى بمضامين الإعلام الخاصة بالنساء. وقد استنتج هذا المشروع أن 80% من المواد المعروضة عن النساء في قنوات التلفزيون المعتمدة على البثّ عبر الأقمار الاصطناعية هي مواد سلبية في مضامينها، وتعرض هذه القنوات بصورة جارحة مواد تحطّ من المستويات العقلية للنساء واستخدامهن لأجسادهن ومنظومة القيم التي تحملنها.

هنالك غياب شبه تام للصحافيات في الصحف العربية في إسرائيل، وغالبًا ما يعملن في هذه الصحف بصورة مؤقّتة وفي مناصب دونية،[4] باستثناء المحرّرتان الرئيستان لمجلتي المرأة – نهاية سعدي سويطات – محرّرة مجلة ليدي، ويارا مشعور – محرّرة مجلة ليلك. ولكن، وبالرغم من تصريحاتهن بخصوص سعيهن لتشغيل صحافيات “لأنهن يفهمن قضايا النساء”، إلاّ أن عدد الصحافيات في هاتين المجلتين لا زال ضئيلاً.

أسئلة البحث الرئيسة:

  1. هل تعكس مجلات المرأة الناطقة باللغة العربية واقع النساء الفلسطينيات في إسرائيل؟
  2. ما هي الرسائل الصريحة والضمنية حول الرفاهية الذاتية المنشورة في هذه المجلات؟

لقد فُحصت أعداد صدرت خلال سنتين وأُخضعت لتحليل المضامين والشكل. تتراوح النتائج بين الجيدة والسيئة قياسًا بواقع الحال في العالم العربي. يتّضح من تحليل المضامين أن حالة النساء الفلسطينيات في إسرائيل جيد جدًا، إذ إنهن لسن بحاجة إلى النضال من أجل حقّهن بالخروج إلى سوق العمل، ولا يبذلن جهودًا فكرية وعاطفية وبراغماتية في جدل حول لبس الحجاب أو عدمه في الحيّز العام. ولكن، وبالرغم من ذلك، يتّضح من مقارنة بين أعداد ووظائف الصحافيات الفلسطينيات في إسرائيل مع وضعهن في العالم العربي أن وضع الصحافيات ل في العالم العربي أفضل بكثير، وخاصة بفضل الصحف والمجلات العديدة التي تتيح لهن فرص العمل المأجور والتخصّص المهني في مجالات الإعلام. وبالمقابل، فإن فرص العمل المتاحة أمام الصحافيات الفلسطينيات في إسرائيل محدودة جدًا، وينشرن غالبا في مجال التربية والتعليم والقضايا الاجتماعية ونسبة قليلة جدًا منهن ينشرن في مجالي الاقتصاد والسياسة، الأمر الذي يحرمهن فرص التأثير الحقيقي.

تشكّل المجلات المشاركة في البحث الواقع بما يتلاءم مع القوى الفاعلة في السوق ومع الاحتياجات الاقتصادية. عبر الإعلانات والمقابلات والنشاطات المرافقة الأخرى، مثل مهرجانات إختيار ملكات الجمال، تقوم هذه المجلات بتشكيل ما يطلق عليه تعبير “المجال المثالي”، حيث تؤكّد هذه المجلات لجمهور القارئات من النساء العثور على السعادة وتحقيق الذات إذا ما تبنت مضامين “المجال المثالي”. تتناقض هذه الصور المتضمنة في “المجال المثالي” مع واقع النساء الفلسطينيات في إسرائيل، إذ يعشن في مجتمع فقير تصل نسب مشاركتهن في سوق العمل إلى مستويات متدنية جدا، ودخلهن متواضع جدًا، ويشكلن فئة متآكلة نفسيًا وإجتماعية بسبب المطالبات الإجتماعية المتناقضة الموجّهة نحوهن كنساء عاملات وزوجات تقليديات.[5] تركز المجلتان الضوء على حياة بعض النساء اللاتي يعمل بمجالات نادرة، مثل المطربات والممثلات وعارضات الأزياء، وهي أعمال وأساليب حياة لا تعكس الحياة الاجتماعية السائدة بين النساء الفلسطينيات في إسرائيل. تعيد الإعلانات المنشورة في مثل هذه المجلات تشكيل الأدوار الجندرية للنساء، وتعيد إنتاج الأدوار المتوارثة في المجتمع التقليدي. وفي هذا السياق، تقوم المجلتان بتعزيز التراث والتقاليد وتدخلان إلى وعي الجيل الناشئ التقسيم الجندري القائم مغلّفا بصور لأشهر عارضات الأزياء وتظهر على صفحاتها دعايات تجارية لمنتجات “يجب على النساء المعاصرات إقتناءها”.

إن الفجوة التي تفصل بين الرسائل العصرية الضمنية، التي تظهر على الصفحات الخاصة بالدعايات التجارية، وبين المضامين الخاصة بالمواضع التي تتناول المشاكل النفسية والجنسية والإجتماعية والإقتصادية للنساء، تؤدي إلى زعزعة حياة الشابات اللاتي ينزعن إلى تبنّي ما يقرأن. هناك تناقض بين صورة المرأة الشابة الغنية والمشغولة بمظهرها الخارجي، والمتابعة للمستجدّات في دور الأزياء العربية والعالمية، المهتمة بالماكياج وعمليات التجميل وعيادات صناعة الجمال، وبين الواقع اليومي المعاش للنساء الفلسطينيات في إسرائيل. أكدت النتائج على أن المجلات المشاركة في الدراسة تعمل على تثبيت الأدوار التقليدية للنساء ضمن حدود القيم التقليدية السائدة والمقبولة في الحيز الشخصي. وقد تعزّز طرح زينت حفني[6] التالي كذلك من خلال فحص حالة النساء الفلسطينيات في إسرائيل: إن الرجال العرب مسجونون ضمن حدود موروثهم الثقافي ولا زالوا يسعون إلى “تدجين” النساء اجتماعيًا.

إن النساء اللاتي يرغبن بالتمثّل بالشخصيات “النموذجية” التي تظهر في الصحف والمجلات العربية يجب أن يظهرن كشخصيات منصاعة، وداعمة، وتؤثر الآخرين على ذاتها، وتعاني بصمت، ومثيرة جنسيًا، ومحتشمة، وتهتم بجسدها، ومحترفة، وربّة بيت، ومبادرة وخاضعة. بعبارات أخرى، يتعيّن على النساء، وفق هذه المجلات، التمتّع بمزايا متناقضة تمسّ بتوازن الشخصية بدلاً من رعايتها. إن صورة المرأة هذه التي لا شكل واضح لها، وتقوم على تناقضات جمّة، هي نتاج هذه المواقف المتناقضة للمجتمع العربي منها. عبر قراءة القضايا المنشورة في هذه المجلات تصلنا رسائل ضمنية وصريحة مفادها أن الهدف المركزي والأهم هو رعاية الرجل وتعزيز مشاعر الرفاهية عنده، ولذلك يتعيّن على المرأة أن تلائم نفسها مع هذا الهدف. وعليه، تلعب مجلات النساء العربيات أدوارًا متناقضة: فمن جهة تتيح لهن الفرصة لإبراز قدراتهن والتنافس مع الرجال، وتعزّز من جهة أخرى النظرة النمطية التي تؤكّد على صورة المرأة بوصفها زوجة وأما وربّة بيت مستهلكة وخاضعة. يمتنع التوجّه القائم على الدافع التجاري من اعتماد مواقف ينتج عنها صراعا مع الموروث الثقافي والتراث الاجتماعي.

تحمل المجلات العربية في إسرائيل على كاهلها وظيفتين متعارضتين: فهي تعرض أمام جمهور النساء عالما استهلاكيا متقدّما، وتقوم في نفس الوقت بنقل الواقع الاجتماعي الجندري التقليدي كما هو ثم تقوم بتثبيته في العقل الجمعي. لا توفّر هذه المجلات أدوات حقيقية وعلمية للتعامل مع الإختيارات الإجتماعية والتغييرات والتحدّيات الماثلة أمام النساء، بل تحصل النساء على صور منحازة بشأن المشاكل النفسية والاجتماعية وتبقى بلا حلول مهنية وناجعة. لا توفّر مجلات النساء هذه منبرًا وفرصة بهدف نقل المزاج العام المتصارع السائد للنقاش القيمي الإجتماعي بشأن قضايا النساء وكذلك للقوى المؤثرة على الرواية الثقافية الإجتماعية القيمية للمجتمع.


  • البروفيسور خولة ابو بكر، هي محاضرة في أكاديمية القاسمي للتربية والكلية الأكاديمية عيمق يزرعئيل

[1] أمل جمّال وأميمة ذياب. تمثيل النساء في أخبار الصحافة العربية التجارية في إسرائيل، الناصرة: إعلام – مركز إعلامي للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، 2006. ويُنظر كذلك: أمل جمّال، الصحافة والإعلام في إسرائيل، رام الله: مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2005.

[2] خولة أبو بكر، “تأثير صورة النساء العربيات في مجلات المرأة على تشكيل رفاهيتهن الذاتية”، فيصل عزايزة، وخولة أبو بكر، وراحيل هيرتس-لزروبيتش وأسعد غانم (محرّرون)، نساء عربيات في إسرائيل: الحالة القائمة ورؤية مستقبلية، تل أبيب: راموت، 2009، 71- 90. [بالعبرية]

[3] أميرة عيسى، 2008 “مراصد صورة المرأة العربية في الإعلام”، بوابة المرأة (موقع إلكتروني: http://www.womengateway.com).

[4] ملحوظة الفريق الإداري: بعد الانتهاء من الدراسة عُيِّنت عايدة توما-سليمان محرّرة للصحيفة اليومية الاتحاد.

[5] للتوسّع في هذا الموضوع، يُنظر:

Abu Baker, Khawla. “‘Career Women’ or ‘Working Women’? Change versus Stability for Young Palestinian Women in Israel,” The Journal of Israeli History 21(2), (2002), 85-109.

[6] زينب حفني، “المرأة في الإعلام العربي”، مجلة ديوان العرب (22 نيسان 2007): http://www.diwanalarab.com/spip.php?article8727

للتوسّع، يُنظر: مريم سليم، “تهميش دور المرأة العربية في وسائل الإعلام”، مجلة ديوان العرب (9 أيلول 2008):

http://beta.14october.com/news.aspx?newsno=54523

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות