פרופ' אסעד גאנם.
Below are share buttons

الانتخابات من خلفنا، وماذا بعد؟

عدد 01,

لقد شهدت السياسة الفلسطينية في إسرائيل في السابق أيامًا أفضل من تلك التي نحياها حاليًا، حتى قياسًا مع فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، التي عانت من شبح النكبة وتبعات هزيمة المجتمع الفلسطيني. فخلافًا لما يُعتقد، فقد نجح الفلسطينيون في إسرائيل في حينه بالحفاظ على حياة سياسية حيوية في الحياة اليومية ضد سياسة مصادرة الأراضي وسياسة الإقصاء والتمييز المفروضة عليهم. لقد بادر كلٌ من الحزب الشيوعي والتيار القومي إلى تظاهرات واحتجاجات وبذلوا جهودًا بالغة من أجل تحويل الأصوات في المجتمع الفلسطيني من الأحزاب الصهيونية والقوائم المنطوية تحتها لصالح مواقف قومية. من بين جملة الأمور، فقد نجح الحزب الشيوعي في استقطاب أصوات جمهور المقترعين العرب وتشكيل سياسة مقاومة ضد المؤسّسة الحاكمة التي تعتمد سياسة التمييز. وقد أثمرت هذه الجهود في انتخابات الكنيست التاسعة لسنة 1977، إذ حصد الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المتحالفة معه ما نسبته 51% من مجمل الأصوات الفلسطينية في إسرائيل.

تعزّز الحراك السياسي للفلسطينيّين في إسرائيل وتعاظم منذ منتصف السبعينيات. إذ شهدنا تواتر إقامة الأجسام القطرية: اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية (1974)؛ والاتحاد القطري للطلاب الجامعيّين العرب (1975)؛ ولجنة الدفاع عن الأراضي (1975)؛ ونشأت لجنة المتابعة لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل في سنة 1982، وبعدها ظهرت اللجان القطرية للتربية والتعليم والرياضة والخدمة الاجتماعية وغيرها. وقد شكّل الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية العمود الفقري لجميع هذه الأطر الجديدة وانضمّت إليها قوى قومية أخرى كحركة أبناء البلد، والحركة التقدمية للسلام التي تأسّست في سنة 1983، والحركة الإسلامية التي ظهرت في منتصف الثمانينيات وقوى أخرى متواضعة. وقد شكّلوا سوية حركة وطنية فلسطينية في إسرائيل وصلت ذروة نشاطها السياسي في نهاية الثمانينيات حين أدارت صراعًا مزدوجًا لأجل المساواة مع الأغلبية اليهودية من جانب، وإقامة دولة فلسطينية من الجانب الآخر، وكل ذلك في ظلّ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي استمرت بين سنة 1987 وحتى سنة 1992. شكّلت الأحزاب العربية بين السنتين 1992-1995 جسمًا “مانعا” في ظل حكومة رابين الأمر الذي مدّها لأول مرة بمكانة وأساس قوي (نسبيًا) للتأثير على السياسة الحكومية المعتمدة في التعامل مع السكان الفلسطينيّين في إسرائيل وفي التعامل مع الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير.

استندت إدارة السياسة الفلسطينية في إسرائيل في حينه إلى برنامج واضح وضع نصب عينيه أهدافًا وغايات عينية. إلاّ أن المشهد السياسي أخذ بالانحصار منذ ذلك الحين، إذ غابت البرامج الواضحة وتمّ الاعتماد كليةً على خطاب قومي يستند إلى مقولة أيديولوجية مبسَّطة مفادها “نحن عرب (أو فلسطينيون)، لذا ادعمونا”. لقد تحوّلت الهوية والتأكيد عليها إلى غاية بحدّ ذاتها لا إلى وسيلة لتحقيق الأهداف والطموحات. وبدأت سلسلة من الانهيارات منذ منتصف التسعينيات إلى أن وصلت إلى الحضيض في انتخابات الكنيست الـ19 الأخيرة (لسنة 2013). أصاب الوهنُ السياسةَ الفلسطينية في إسرائيل وتجسّدت في سلوك المقترعين كذلك. إنها سياسة متشظّية تستند بصورة خاصة إلى العلاقات الشخصية، تغيب عنها الأهداف المتّفق بشأنها، وغايتها تحقيق الأهداف الشخصية بدل تحقيق الغايات الجمعية والمشتركة. إضافة إلى ذلك، تتّسم هذه السياسة باعتمادها على نمط “الساحة الخلفية”، ذلك النمط الذي يعزّز هامشية الفلسطينيّين في إسرائيل في مقابل القطبين الرئيسين اللذين يعيشون بينهما: الحركة الوطنية الفلسطينية من جانب، والحيز الإسرائيلي من الجانب الآخر. تحوّل الفلسطينيون في إسرائيل إلى لاعبين هامشيّين يعيشون ويترعرعون في الفناء الخلفي لهذين القطبين.

أخذت الآفات الاجتماعية الداخلية بالتفاقم يومًا بعد يوم. تعامل المنهج السياسي السابق، الذي كان معتمدًا في السبعينيات والثمانينيات، مع بعض القضايا بنجاح، وإن كان متواضعًا في بعض الجوانب، مثل إدارة السلطات المحلية، والتأثير على مضامين مناهج التدريس في جهاز التربية والتعليم، وتجنيد المجتمع في وجه محاولات السلطات الإسرائيلية لمصادرة الأراضي وحرمانهم المواطنين الفلسطينيّين من التمتّع بالمنشآت العامة، وعدة قضايا أخرى تستند إلى سياسة التمييز. إلاّ أن هذا المنهج قد وُضع جانبًا واستُبدل بمنهج سياسي آخر يعتمد سياسة الشخصنة التي تركّز إلى شخص “القائد”. نتيجة لذلك تضاءلت مكاسب السياسة الفلسطينية، حتى غاب بعضها تمامًا بفعل الصراعات الشخصية والفئوية. توقّفت لجنة المتابعة عن كونها جسمًا فاعلاً، واختفت لجنة الدفاع عن الأراضي، وغاب الاتحاد القطري للطلاب الجامعيّين العرب كليًا، ولا زالت تعاني لجنة متابعة قضايا التعليم العربي من أزمة عميقة تحدّ من عملها.

في مقابل ذلك، أنشأ المجتمع المدني، الذي تعزّز في التسعينيات، أجسامًا غير برلمانية تناولت قضايا وطنية، إلا أنها تلاشت شيئًا فشيء وتحوّلت إلى فروع لأحزاب ترعى قضايا فئوية وابتعدت عن التجدّد في أنماط عملها. اختفت أموال طائلة جمعت خارج البلاد وفي العالم العربي تحت شعار مساندة الفلسطينيّين في إسرائيل لبناء مؤسّساتهم الوطنية، ووجدت غالبية هذه الأموال نفسها في حسابات بنكية للمسؤولين. تعاظمت أوجه الفساد وانحصرت السياسة أمام الانتهازية التي سعت إلى رفع شأن فلان أو علاّن من بين السياسيّين الذين تقتصر أهدافهم بصورة خاصة بالحفاظ على مقعدهم وعلى جمهور اتباعهم في الأحزاب وخارجها.

راوحت الأحزاب العربية في مكانتها وغابت عن برامجها الرؤية والأهداف الواضحة والغايات التي يتعين دفعها إلى الأمام. ينفر الجمهور من هذه الأحزاب، والغالبية لا تثق بها. سوية حصلت جميع الأحزاب والقوائم العربية في المعارك الانتخابية الثلاث أو الأربع الأخيرة، ومن ضمنها المعركة الأخيرة (كانون الثاني 2013)، على نحو أربعين بالمائة من مجمل أصحاب حق الاقتراع في المجتمع العربي، وذلك بالرغم من حقيقة أن الأحزاب اليهودية قد أخلت لها الساحة تقريبًا بشكل كلي. تصل نسبة المقترعين العرب إلى نحو الخمسين بالمائة، والعديد من بين هؤلاء “المقترعين” وُضعت أوراق اقتراعهم قبيل إغلاق الصناديق. تعتمد بعض الأحزاب العربية على ظاهرة سائدة لشراء الأصوات، تلك الظاهرة التي اعتمدتها سابقًا “قوائم الأقليات” والأحزاب اليهودية.

تتراءى أمامنا السياسة الفلسطينية في إسرائيل حاليًا بأتعس لحظاتها. تؤدّي هذه الظواهر التي ذكرناها أعلاه، إضافة إلى مظاهر أخرى لا يتّسع المكان للتوقّف عندها، بهذه السياسة إلى سُفْل لم يسبق أن وصلته في الماضي. في حال عدم إدخال تغييرات جذرية على أنماط إدارة الأحزاب العربية، يبدو أن المستقبل الذي ينتظرنا سيستمر برداءته وغياب الجدوى السياسية لها. يعتبر توحيد القوى واستحداث الأطر الجادة التي تستبدل بقايا الأحزاب القائمة أحد هذه السبل فقط. يتعيّن إعادة بناء جدول الأعمال الذي بدأ الشيوعيون ببنائه في السبعينيات والثمانينيات. يجب الاستمرار ببناء المؤسّسات الوطنية التمثيلية، وإحدى الخطوات المطلوبة حاليًا أكثر من أي وقت مضى هي انتخاب جسم تمثيلي غير برلماني للفلسطينيّين في إسرائيل يستبدل لجنة المتابعة. يتعيّن التأكيد على برنامج العمل الجماعي المشار إليه في “التصوّر المستقبلي” في مقابل البرامج الحكومية الصهيونية من جانب، ولبرامج السلطة الفلسطينية من جانب آخر. لم يعد مقبولاً الاستمرار كقوة هامشية تحيا على فتات سياسة الآخرين. يجب على السياسة الفلسطينية في إسرائيل أن تنتفض، وخير البرّ عاجله، قبل أن تحوّل الأزمةُ الحالية الفلسطينيّين في إسرائيل وسياستهم إلى حالة ساقطة لا أمل في تصويبها.

  • بروفيسور أسعد غانم، محاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا
أسعد غنام

מִנְבַּר

لقد شهدت السياسة الفلسطينية في إسرائيل في السابق أيامًا أفضل من تلك التي نحياها حاليًا، حتى قياسًا مع فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، التي عانت من شبح النكبة وتبعات هزيمة المجتمع الفلسطيني. فخلافًا لما يُعتقد، فقد نجح الفلسطينيون في إسرائيل في حينه بالحفاظ على حياة سياسية حيوية في الحياة اليومية ضد سياسة مصادرة الأراضي وسياسة الإقصاء والتمييز المفروضة عليهم. لقد بادر كلٌ من الحزب الشيوعي والتيار القومي إلى تظاهرات واحتجاجات وبذلوا جهودًا بالغة من أجل تحويل الأصوات في المجتمع الفلسطيني من الأحزاب الصهيونية والقوائم المنطوية تحتها لصالح مواقف قومية. من بين جملة الأمور، فقد نجح الحزب الشيوعي في استقطاب أصوات جمهور المقترعين العرب وتشكيل سياسة مقاومة ضد المؤسّسة الحاكمة التي تعتمد سياسة التمييز. وقد أثمرت هذه الجهود في انتخابات الكنيست التاسعة لسنة 1977، إذ حصد الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المتحالفة معه ما نسبته 51% من مجمل الأصوات الفلسطينية في إسرائيل.

تعزّز الحراك السياسي للفلسطينيّين في إسرائيل وتعاظم منذ منتصف السبعينيات. إذ شهدنا تواتر إقامة الأجسام القطرية: اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية (1974)؛ والاتحاد القطري للطلاب الجامعيّين العرب (1975)؛ ولجنة الدفاع عن الأراضي (1975)؛ ونشأت لجنة المتابعة لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل في سنة 1982، وبعدها ظهرت اللجان القطرية للتربية والتعليم والرياضة والخدمة الاجتماعية وغيرها. وقد شكّل الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية العمود الفقري لجميع هذه الأطر الجديدة وانضمّت إليها قوى قومية أخرى كحركة أبناء البلد، والحركة التقدمية للسلام التي تأسّست في سنة 1983، والحركة الإسلامية التي ظهرت في منتصف الثمانينيات وقوى أخرى متواضعة. وقد شكّلوا سوية حركة وطنية فلسطينية في إسرائيل وصلت ذروة نشاطها السياسي في نهاية الثمانينيات حين أدارت صراعًا مزدوجًا لأجل المساواة مع الأغلبية اليهودية من جانب، وإقامة دولة فلسطينية من الجانب الآخر، وكل ذلك في ظلّ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي استمرت بين سنة 1987 وحتى سنة 1992. شكّلت الأحزاب العربية بين السنتين 1992-1995 جسمًا “مانعا” في ظل حكومة رابين الأمر الذي مدّها لأول مرة بمكانة وأساس قوي (نسبيًا) للتأثير على السياسة الحكومية المعتمدة في التعامل مع السكان الفلسطينيّين في إسرائيل وفي التعامل مع الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير.

استندت إدارة السياسة الفلسطينية في إسرائيل في حينه إلى برنامج واضح وضع نصب عينيه أهدافًا وغايات عينية. إلاّ أن المشهد السياسي أخذ بالانحصار منذ ذلك الحين، إذ غابت البرامج الواضحة وتمّ الاعتماد كليةً على خطاب قومي يستند إلى مقولة أيديولوجية مبسَّطة مفادها “نحن عرب (أو فلسطينيون)، لذا ادعمونا”. لقد تحوّلت الهوية والتأكيد عليها إلى غاية بحدّ ذاتها لا إلى وسيلة لتحقيق الأهداف والطموحات. وبدأت سلسلة من الانهيارات منذ منتصف التسعينيات إلى أن وصلت إلى الحضيض في انتخابات الكنيست الـ19 الأخيرة (لسنة 2013). أصاب الوهنُ السياسةَ الفلسطينية في إسرائيل وتجسّدت في سلوك المقترعين كذلك. إنها سياسة متشظّية تستند بصورة خاصة إلى العلاقات الشخصية، تغيب عنها الأهداف المتّفق بشأنها، وغايتها تحقيق الأهداف الشخصية بدل تحقيق الغايات الجمعية والمشتركة. إضافة إلى ذلك، تتّسم هذه السياسة باعتمادها على نمط “الساحة الخلفية”، ذلك النمط الذي يعزّز هامشية الفلسطينيّين في إسرائيل في مقابل القطبين الرئيسين اللذين يعيشون بينهما: الحركة الوطنية الفلسطينية من جانب، والحيز الإسرائيلي من الجانب الآخر. تحوّل الفلسطينيون في إسرائيل إلى لاعبين هامشيّين يعيشون ويترعرعون في الفناء الخلفي لهذين القطبين.

أخذت الآفات الاجتماعية الداخلية بالتفاقم يومًا بعد يوم. تعامل المنهج السياسي السابق، الذي كان معتمدًا في السبعينيات والثمانينيات، مع بعض القضايا بنجاح، وإن كان متواضعًا في بعض الجوانب، مثل إدارة السلطات المحلية، والتأثير على مضامين مناهج التدريس في جهاز التربية والتعليم، وتجنيد المجتمع في وجه محاولات السلطات الإسرائيلية لمصادرة الأراضي وحرمانهم المواطنين الفلسطينيّين من التمتّع بالمنشآت العامة، وعدة قضايا أخرى تستند إلى سياسة التمييز. إلاّ أن هذا المنهج قد وُضع جانبًا واستُبدل بمنهج سياسي آخر يعتمد سياسة الشخصنة التي تركّز إلى شخص “القائد”. نتيجة لذلك تضاءلت مكاسب السياسة الفلسطينية، حتى غاب بعضها تمامًا بفعل الصراعات الشخصية والفئوية. توقّفت لجنة المتابعة عن كونها جسمًا فاعلاً، واختفت لجنة الدفاع عن الأراضي، وغاب الاتحاد القطري للطلاب الجامعيّين العرب كليًا، ولا زالت تعاني لجنة متابعة قضايا التعليم العربي من أزمة عميقة تحدّ من عملها.

في مقابل ذلك، أنشأ المجتمع المدني، الذي تعزّز في التسعينيات، أجسامًا غير برلمانية تناولت قضايا وطنية، إلا أنها تلاشت شيئًا فشيء وتحوّلت إلى فروع لأحزاب ترعى قضايا فئوية وابتعدت عن التجدّد في أنماط عملها. اختفت أموال طائلة جمعت خارج البلاد وفي العالم العربي تحت شعار مساندة الفلسطينيّين في إسرائيل لبناء مؤسّساتهم الوطنية، ووجدت غالبية هذه الأموال نفسها في حسابات بنكية للمسؤولين. تعاظمت أوجه الفساد وانحصرت السياسة أمام الانتهازية التي سعت إلى رفع شأن فلان أو علاّن من بين السياسيّين الذين تقتصر أهدافهم بصورة خاصة بالحفاظ على مقعدهم وعلى جمهور اتباعهم في الأحزاب وخارجها.

راوحت الأحزاب العربية في مكانتها وغابت عن برامجها الرؤية والأهداف الواضحة والغايات التي يتعين دفعها إلى الأمام. ينفر الجمهور من هذه الأحزاب، والغالبية لا تثق بها. سوية حصلت جميع الأحزاب والقوائم العربية في المعارك الانتخابية الثلاث أو الأربع الأخيرة، ومن ضمنها المعركة الأخيرة (كانون الثاني 2013)، على نحو أربعين بالمائة من مجمل أصحاب حق الاقتراع في المجتمع العربي، وذلك بالرغم من حقيقة أن الأحزاب اليهودية قد أخلت لها الساحة تقريبًا بشكل كلي. تصل نسبة المقترعين العرب إلى نحو الخمسين بالمائة، والعديد من بين هؤلاء “المقترعين” وُضعت أوراق اقتراعهم قبيل إغلاق الصناديق. تعتمد بعض الأحزاب العربية على ظاهرة سائدة لشراء الأصوات، تلك الظاهرة التي اعتمدتها سابقًا “قوائم الأقليات” والأحزاب اليهودية.

تتراءى أمامنا السياسة الفلسطينية في إسرائيل حاليًا بأتعس لحظاتها. تؤدّي هذه الظواهر التي ذكرناها أعلاه، إضافة إلى مظاهر أخرى لا يتّسع المكان للتوقّف عندها، بهذه السياسة إلى سُفْل لم يسبق أن وصلته في الماضي. في حال عدم إدخال تغييرات جذرية على أنماط إدارة الأحزاب العربية، يبدو أن المستقبل الذي ينتظرنا سيستمر برداءته وغياب الجدوى السياسية لها. يعتبر توحيد القوى واستحداث الأطر الجادة التي تستبدل بقايا الأحزاب القائمة أحد هذه السبل فقط. يتعيّن إعادة بناء جدول الأعمال الذي بدأ الشيوعيون ببنائه في السبعينيات والثمانينيات. يجب الاستمرار ببناء المؤسّسات الوطنية التمثيلية، وإحدى الخطوات المطلوبة حاليًا أكثر من أي وقت مضى هي انتخاب جسم تمثيلي غير برلماني للفلسطينيّين في إسرائيل يستبدل لجنة المتابعة. يتعيّن التأكيد على برنامج العمل الجماعي المشار إليه في “التصوّر المستقبلي” في مقابل البرامج الحكومية الصهيونية من جانب، ولبرامج السلطة الفلسطينية من جانب آخر. لم يعد مقبولاً الاستمرار كقوة هامشية تحيا على فتات سياسة الآخرين. يجب على السياسة الفلسطينية في إسرائيل أن تنتفض، وخير البرّ عاجله، قبل أن تحوّل الأزمةُ الحالية الفلسطينيّين في إسرائيل وسياستهم إلى حالة ساقطة لا أمل في تصويبها.

  • بروفيسور أسعد غانم، محاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا
Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות