פרופ' דן כספי.
Below are share buttons

عقيدة سلطة الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية

عدد 03,

واضعو العقيدة

لقد كُتبت عقيدة سلطة الإذاعة الإسرائيلية العربية وتبلورت منذ أن كانت ملحقة بديوان رئيس الحكومة. وفق ذلك، فقد اهتمّت السلطات الإسرائيلية كذلك بإنشاء سلطة الإذاعة الناطقة باللغة العربية كجهاز منفصل أطلق عليه في حينه تعبير “بيت الإذاعة الإسرائيلية”. أقيمت من سنة 1956 لجنة استشارية خاصة ببرامج البث الناطقة باللغة العربية. وفيما يلي الوصف الذي يظهر في مذكرات عزرا دنين، عضو مؤسّس لما أطلق عليه تعبير “سلطة المعلومات التابعة لمنظمة الهجاناه”، وشغل مناصب رفيعة في جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) ويعتبر خبيرًا بالشئون العربية، حول حيثيات إنشاء اللجنة الاستشارية:

[…] لقد شارك في حينه سكرتير رئيس الحكومة إسحاق نافون وكبيرو “بيت الإذاعة الإسرائيلية” وممثّلون عن وزارة الخارجية و”صوت إسرائيل”. انعقدت اللجنة أسبوعيًا وناقشت الخطوط العريضة للدعاية. وفي حالات الضرورة استعنّا بخبراء وموظّفين من وزارات مختلفة مثل وزارة الخارجية والمالية. لقد تجنّد بعض الموظّفين في وزارة الخارجية لمساعدتنا على الصعيد الفكري إضافة إلى صياغة المواد المخطّط بثّها، وعلى رأسهم موشي ساسون ويوسف هداس وانضمّ لاحقًا شاؤول بار حاييم، وتحديدًا منذ توليه منصب مندوب في واشنطن، والذي شغل منصب مدير صوت إسرائيل بالعربية (بمساعدة إسحاق نافون وبإرشاده)، وقياسًا بالوقت والموارد التي مُنحت له فقد كان عمله مدهشًا.[1]

اجتمع أعضاء اللجنة الاستشارية في مكاتب حكومية وفي مكاتب سلطة الإذاعة وناقشوا سياسة البثّ على المستوى العام وكذلك على مستوى القضايا السياسية العينية. استمر عمل اللجنة لبضع سنين، واتّضح أن أسس هذه العقيدة قد فرضت على سياسة البثّ التلفزيوني باللغة العربية كذلك، وذلك بسبب الاعتماد المفرط على السلطات الأمنية والأخذ برأيها. وقد تمّ الالتزام بعقيدة البثّ باللغة العربية بصرامة حتى بعد أن انتقلت من ديوان رئيس الحكومة إلى سلطة الإذاعة في منتصف الستينيات. وكذلك، فقد فُرضت هذه العقيدة ذاتها على سياسة البث في سلطة التلفزيون الإسرائيلي الناطق باللغة العربية الذي بدأ عمله منذ سنة 1968، وكذلك لاحقًا في البرامج الناطقة باللغة العربية في التلفزيون التجاري – القناتين الثانية والعاشرة.

أسس العقيدة

تتشكّل هذه العقيدة من سبعة فصول: 1) إسرائيل؛ 2) المناطق (المحتلة)؛ 3) الأمن؛ 4) الفلسطينيون؛ 5) إسرائيل وجيرانها؛ 6) خصائص برامج البث؛ 7) إمكانيات الوصول وسبل العمل.

يضم الفصل الأول خمسة أسس خاصة بالبثّ:

  1. إن إسرائيل هي حقيقة قائمة، قوية ومتينة كالصخر، تتطوّر وتتعاظم قواها. لا يمكن لأي وسيلة أن تتغلّب عليها. إن مقاومتها قد تسبّبت بكارثة للعرب فقط؛
  1. يجب تفسير […] طبيعة دولة إسرائيل ونظامها وطرق فرض سلطتها […] والتوقّف عند تطوّرها الدائم وعند مساندة اليهود وأمم العالم بها؛
  1. تسليط الضوء على كل تطوّر إيجابي يطرأ على الوسط العربي في إسرائيل، في الأخبار والمقابلات والبرامج (مشاريع التطوير، والكهرباء، وشق الطرق، وإدخال المياه إلى القرى، والتربية والتعليم، وتنظيم العمل المهني، والاتحادات، والسلطة المحلية، ومكانة المرأة وغيرها)، وذلك انطلاقًا من فهم أساسي مفاده أن عرب إسرائيل يعتبرون جزءًا من إسرائيل ومندمجون فيها. كما ويجب التأكيد على فكرة التعايش اليهودي العربي المشترك؛[2]
  1. إن دولة إسرائيل هي دولة شرق أوسطية مناهضة للإمبريالية واستنادًا إلى أسلوب الحياة والعادات المعتمدة فيها فإنها دولة متقدّمة وصلت إلى إنجازات عظيمة؛
  1. إن إسرائيل هي دولة تسعى إلى إحقاق السلام، والسلام هام لجميع شعوب المنطقة. استمرت إسرائيل بالحياة والازدهار مدة 25 سنة في ظلّ غياب السلام وهي قادرة على الاستمرار والتقدّم على هذا النحو إلى الأبد.[3]

أما في الفصل الثاني – المناطق (المحتلّة) – فتظهر الكلمة “مناطق” هناك لوحدها من دون أي صفة تلازمها (مثل: محتلّة/المسيطر عليها/ المحرّرة)، ويعتمد الفصل على أساسين يعكسان التوجّه الحكومي الذي كان سائدًا في حينه:

  1. تسيطر إسرائيل على المناطق. إن مستقبل هذه المناطق غير قابل للنقاش هنا.
  1. التأكيد في معرض تغطية القضايا المرتبطة بالمناطق على الأمور الإيجابية: إعادة التأهيل الاقتصادي، علاقات إنسانية، رفع مستوى الخدمات، الحفاظ على العلاقات مع العالم العربي، التأكيد على العلاقة مع إسرائيل. يجب أن يبتعد البثّ عن التوجّه المتعالي والأبوي.[4]

ويضم الفصل الثالث – الفلسطينيون – توصية بعدم الربط بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية، وكذلك:

يمكن أحيانًا استخدام تعبير “شعب فلسطين”، ومن المحبّذ الامتناع بالقدر الممكن من استخدام تعبير “كيان فلسطيني”.[5]

وقد جاء في المادة (و) قول من شأنه أن يعلي الابتسامة على وجوهنا في وقتنا الحاضر:

إن قضية اللاجئين في طور الحل في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.[6]

أما المادة (ي) فتلخّص تراثًا لطالما اعتمدته سلطة الإذاعة بالعربية في وضع جدول البرامج:

يمكن تناول شكاوى سكان المناطق المسيطر عليها في الحياة اليومية في البرامج المختلفة: مثل، التربية والتعليم، الصحة، وأوامر الحكم (العسكري)، والتشغيل، ولمّ الشمل وغيره.[7]

وبغية تجنّب المشاكل والمواقف المحرجة في تطبيق عقيدة سلطة الإذاعة العربية فقد تمّ مشاركة قوى أمنية في عملية تجنيد المراسلين والمذيعين. تواجد ممثلون من المخابرات الداخلية (الشاباك) في مناقشة لجان المناقصات، وقاموا بالتحرّي عن المتقدّمين وكان لهم القول الفصل في قبولهم أو رفضهم.

وقد تبلورت على مدار السنين قواعد غير رسمية بشأن اختيار المراسلين وفق خلفياتهم الأمنية، وقد تمّ تفضيل أولئك الذين يتمتّعون بخلفية أمنية إيجابية. وقد عمل بعض هؤلاء المراسلين في قوى الأمن. وفق المنطق ذاته، فقد تمّ تفضيل الدروز على العرب، حتى أن الدروز قد شغلوا مناصب إدارية، وكذلك تمّ تفضيل المسيحيّين من بين العرب على المسلمين. إن إمكانيات ارتقاء المراسلين من أبناء الأقليات إلى وظائف إدارية رفيعة كانت مغلقة، وعلى أقل تقدير فقد كانت مغلقة جزئيًا، إذ أولي لهم بعض الوظائف التنفيذية فقط – مثل إدارة أقسام البرامج والدين والأطفال والموسيقى، وليس وظائف أكثر أهمية من ذلك – مثل إدارة قسم الأخبار أو الإدارة العامة للسلطة. وقد شغل خريجو المخابرات اليهود مناصب “حساسّة” في قسم الأخبار في الراديو والتلفزيون بالعربية – مثل المراسلون السياسيون والمراسلون العسكريون.

إسقاطات على خريطة الإعلام الناطق باللغة العربية

أخذت أهمية عقيدة سلطة الإذاعة الإسرائيلية بالعربية بالأفول في عصر قنوات الأقمار الاصطناعية والإعلام الجديد، يأتي البعض منها من خارج حدود إسرائيل. وبالرغم من ذلك، فقد تركت هذه العقيدة آثارًا بالغة على خريطة الإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة العربية. بداية، أكّدت هذه العقيدة لسنين طويلة على طبيعة البثّ الإذاعي والتلفزيوني الإسرائيلي الناطق باللغة العربية لا بوصفه بثًّا للناطقين باللغة العربية بل بثًّا لأجلهم،[8] الأمر الذي يعني أن اليهود قد وضعوا ولا زالوا يضعون سياسة البثّ باللغة العربية خدمة لأهداف الدعاية الإسرائيلية. وكذلك الأمر بخصوص الصحافة، إذ استنسخت هذه العقيدة ووضعت في صلب الصحافة لأجل الناطقين باللغة العربية. إن حقيقة أن الأجهزة الحكومية قد استثمرت موارد كبيرة، على مدار سنين طويلة، في وسائل الإعلام التي عمل فيها خيرة القوى البشرية من الوسط العربي وبظروف مفضّلة، قد منع بالطبع إمكانية إعادة تأهيل الصحافة الفلسطينية التي اندثرت في سنة 1948.[9]

ثانيًا، تمّ تجنيد خيرة القوى البشرية الشابة من الوسط العربي للعمل في الراديو والتلفزيون لسان حال المؤسّسة الحكومية وبظروف مريحة قياسًا بالظروف المتاحة في صحف أخرى. وبهذه الطريقة فقد رعت أذرع الحكومية نخبة إعلامية جديدة خاضعة لرقابة غير صريحة لأجهزة الأمن.

ثالثًا، اعتُمدت العقيدة، التي وضعت بداية للبثّ الإذاعي، لاحقًا على يد أصحاب التلفزيون التجاري، إضافة إلى أن أوقات بثّ البرامج باللغة العربية في القناة الثانية والعاشرة كانت هي الأخرى في non-prime time.[10] تمتنع غالبًا هذه البرامج من تناول مسألة الصراع بصورة مباشرة، وبدلاً من ذلك، فإنها تركّز على قضايا مثل أساليب الحياة، وأوقات الفراغ، وأمور ثقافية وغيرها.

وأخيرًا، فإن للتنافس القائم حاليًا حول النموذجين – إعلام الناطقين بالعربية في مقابل إعلام من أجل الناطقين بالعربية – إسقاطات كذلك على علاقات الأغلبية-الأقلية في دولة إسرائيل. طالما يدفع الإعلام الجديد باتجاه إعلام الناطقين بالعربية، فإن قوة تأثير الأجهزة الحكومية على مراكز القوى في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، نعني وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، تضعف قياسًا بما كان سائدًا في الماضي.


המאמר מבוסס על פרק 7.2 בספר: דן כספי, 2005. סליחה, תקלה! דעיכתה של רשות השידור, מבשרת ציון: צבעונים, עמ’ 92—105.

  • البروفيسور دان كاسبي هو محاضر في قسم الإعلام، جامعة بن غوريون في النقب

[1] عوفاديا دنين، صهيوني بكل ثمن، القدس: كيدوم، 1987، ص 375. [بالعبرية]

[2] لقد أُنتج في حينه برنامجًا تلفزيونيًا شعبيًا للأطفال العرب واليهود باسم “سامي وحصانه” تناول قضايا عامة وتجاهل عن عمد الصراع العربي الإسرائيلي. يُنظر، دان كاسبي، “حول مسألة شرعية سلطة الإذاعة والتلفزيون بالعربية”، مغاموت (مجلة)، السنة 20، العدد 1، 1974، ص 96-104. [بالعبرية]

[3] عوفاديا دنين، مصدر سابق، ص 409-410.

[4] المصدر السابق، ص 410.

[5] المصدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] المصدر السابق، ص 411.

[8] حول الفرق بين جهازي الإعلام، يُنظر:

Dan Caspi and Nelly Elias, 2010. “Don’t Patronize Me: Media-by and Media-for Minorities,” Ethnic and Racial Studies, 34(1), 62—82 (http://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/01419871003743413#.UupSuv0hsrx).

[9] يُنظر:

Mustafa Kabha and Dan Caspi, 2011. The Palestinian Arab In/Outsiders: Media and Conflict in Israel, London: Vallentine Mitchell (http://www.isbs.com/partnumber.asp?cid=27389&pnid=335134)

[10] إن أوقات بث البرامج بحدّ ذاتها تشي بالشيء الكثير عن الاهتمام الهامشي الذي يولى للناطقين باللغة العربية.

واضعو العقيدة

لقد كُتبت عقيدة سلطة الإذاعة الإسرائيلية العربية وتبلورت منذ أن كانت ملحقة بديوان رئيس الحكومة. وفق ذلك، فقد اهتمّت السلطات الإسرائيلية كذلك بإنشاء سلطة الإذاعة الناطقة باللغة العربية كجهاز منفصل أطلق عليه في حينه تعبير “بيت الإذاعة الإسرائيلية”. أقيمت من سنة 1956 لجنة استشارية خاصة ببرامج البث الناطقة باللغة العربية. وفيما يلي الوصف الذي يظهر في مذكرات عزرا دنين، عضو مؤسّس لما أطلق عليه تعبير “سلطة المعلومات التابعة لمنظمة الهجاناه”، وشغل مناصب رفيعة في جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) ويعتبر خبيرًا بالشئون العربية، حول حيثيات إنشاء اللجنة الاستشارية:

[…] لقد شارك في حينه سكرتير رئيس الحكومة إسحاق نافون وكبيرو “بيت الإذاعة الإسرائيلية” وممثّلون عن وزارة الخارجية و”صوت إسرائيل”. انعقدت اللجنة أسبوعيًا وناقشت الخطوط العريضة للدعاية. وفي حالات الضرورة استعنّا بخبراء وموظّفين من وزارات مختلفة مثل وزارة الخارجية والمالية. لقد تجنّد بعض الموظّفين في وزارة الخارجية لمساعدتنا على الصعيد الفكري إضافة إلى صياغة المواد المخطّط بثّها، وعلى رأسهم موشي ساسون ويوسف هداس وانضمّ لاحقًا شاؤول بار حاييم، وتحديدًا منذ توليه منصب مندوب في واشنطن، والذي شغل منصب مدير صوت إسرائيل بالعربية (بمساعدة إسحاق نافون وبإرشاده)، وقياسًا بالوقت والموارد التي مُنحت له فقد كان عمله مدهشًا.[1]

اجتمع أعضاء اللجنة الاستشارية في مكاتب حكومية وفي مكاتب سلطة الإذاعة وناقشوا سياسة البثّ على المستوى العام وكذلك على مستوى القضايا السياسية العينية. استمر عمل اللجنة لبضع سنين، واتّضح أن أسس هذه العقيدة قد فرضت على سياسة البثّ التلفزيوني باللغة العربية كذلك، وذلك بسبب الاعتماد المفرط على السلطات الأمنية والأخذ برأيها. وقد تمّ الالتزام بعقيدة البثّ باللغة العربية بصرامة حتى بعد أن انتقلت من ديوان رئيس الحكومة إلى سلطة الإذاعة في منتصف الستينيات. وكذلك، فقد فُرضت هذه العقيدة ذاتها على سياسة البث في سلطة التلفزيون الإسرائيلي الناطق باللغة العربية الذي بدأ عمله منذ سنة 1968، وكذلك لاحقًا في البرامج الناطقة باللغة العربية في التلفزيون التجاري – القناتين الثانية والعاشرة.

أسس العقيدة

تتشكّل هذه العقيدة من سبعة فصول: 1) إسرائيل؛ 2) المناطق (المحتلة)؛ 3) الأمن؛ 4) الفلسطينيون؛ 5) إسرائيل وجيرانها؛ 6) خصائص برامج البث؛ 7) إمكانيات الوصول وسبل العمل.

يضم الفصل الأول خمسة أسس خاصة بالبثّ:

  1. إن إسرائيل هي حقيقة قائمة، قوية ومتينة كالصخر، تتطوّر وتتعاظم قواها. لا يمكن لأي وسيلة أن تتغلّب عليها. إن مقاومتها قد تسبّبت بكارثة للعرب فقط؛
  1. يجب تفسير […] طبيعة دولة إسرائيل ونظامها وطرق فرض سلطتها […] والتوقّف عند تطوّرها الدائم وعند مساندة اليهود وأمم العالم بها؛
  1. تسليط الضوء على كل تطوّر إيجابي يطرأ على الوسط العربي في إسرائيل، في الأخبار والمقابلات والبرامج (مشاريع التطوير، والكهرباء، وشق الطرق، وإدخال المياه إلى القرى، والتربية والتعليم، وتنظيم العمل المهني، والاتحادات، والسلطة المحلية، ومكانة المرأة وغيرها)، وذلك انطلاقًا من فهم أساسي مفاده أن عرب إسرائيل يعتبرون جزءًا من إسرائيل ومندمجون فيها. كما ويجب التأكيد على فكرة التعايش اليهودي العربي المشترك؛[2]
  1. إن دولة إسرائيل هي دولة شرق أوسطية مناهضة للإمبريالية واستنادًا إلى أسلوب الحياة والعادات المعتمدة فيها فإنها دولة متقدّمة وصلت إلى إنجازات عظيمة؛
  1. إن إسرائيل هي دولة تسعى إلى إحقاق السلام، والسلام هام لجميع شعوب المنطقة. استمرت إسرائيل بالحياة والازدهار مدة 25 سنة في ظلّ غياب السلام وهي قادرة على الاستمرار والتقدّم على هذا النحو إلى الأبد.[3]

أما في الفصل الثاني – المناطق (المحتلّة) – فتظهر الكلمة “مناطق” هناك لوحدها من دون أي صفة تلازمها (مثل: محتلّة/المسيطر عليها/ المحرّرة)، ويعتمد الفصل على أساسين يعكسان التوجّه الحكومي الذي كان سائدًا في حينه:

  1. تسيطر إسرائيل على المناطق. إن مستقبل هذه المناطق غير قابل للنقاش هنا.
  1. التأكيد في معرض تغطية القضايا المرتبطة بالمناطق على الأمور الإيجابية: إعادة التأهيل الاقتصادي، علاقات إنسانية، رفع مستوى الخدمات، الحفاظ على العلاقات مع العالم العربي، التأكيد على العلاقة مع إسرائيل. يجب أن يبتعد البثّ عن التوجّه المتعالي والأبوي.[4]

ويضم الفصل الثالث – الفلسطينيون – توصية بعدم الربط بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية، وكذلك:

يمكن أحيانًا استخدام تعبير “شعب فلسطين”، ومن المحبّذ الامتناع بالقدر الممكن من استخدام تعبير “كيان فلسطيني”.[5]

وقد جاء في المادة (و) قول من شأنه أن يعلي الابتسامة على وجوهنا في وقتنا الحاضر:

إن قضية اللاجئين في طور الحل في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.[6]

أما المادة (ي) فتلخّص تراثًا لطالما اعتمدته سلطة الإذاعة بالعربية في وضع جدول البرامج:

يمكن تناول شكاوى سكان المناطق المسيطر عليها في الحياة اليومية في البرامج المختلفة: مثل، التربية والتعليم، الصحة، وأوامر الحكم (العسكري)، والتشغيل، ولمّ الشمل وغيره.[7]

وبغية تجنّب المشاكل والمواقف المحرجة في تطبيق عقيدة سلطة الإذاعة العربية فقد تمّ مشاركة قوى أمنية في عملية تجنيد المراسلين والمذيعين. تواجد ممثلون من المخابرات الداخلية (الشاباك) في مناقشة لجان المناقصات، وقاموا بالتحرّي عن المتقدّمين وكان لهم القول الفصل في قبولهم أو رفضهم.

وقد تبلورت على مدار السنين قواعد غير رسمية بشأن اختيار المراسلين وفق خلفياتهم الأمنية، وقد تمّ تفضيل أولئك الذين يتمتّعون بخلفية أمنية إيجابية. وقد عمل بعض هؤلاء المراسلين في قوى الأمن. وفق المنطق ذاته، فقد تمّ تفضيل الدروز على العرب، حتى أن الدروز قد شغلوا مناصب إدارية، وكذلك تمّ تفضيل المسيحيّين من بين العرب على المسلمين. إن إمكانيات ارتقاء المراسلين من أبناء الأقليات إلى وظائف إدارية رفيعة كانت مغلقة، وعلى أقل تقدير فقد كانت مغلقة جزئيًا، إذ أولي لهم بعض الوظائف التنفيذية فقط – مثل إدارة أقسام البرامج والدين والأطفال والموسيقى، وليس وظائف أكثر أهمية من ذلك – مثل إدارة قسم الأخبار أو الإدارة العامة للسلطة. وقد شغل خريجو المخابرات اليهود مناصب “حساسّة” في قسم الأخبار في الراديو والتلفزيون بالعربية – مثل المراسلون السياسيون والمراسلون العسكريون.

إسقاطات على خريطة الإعلام الناطق باللغة العربية

أخذت أهمية عقيدة سلطة الإذاعة الإسرائيلية بالعربية بالأفول في عصر قنوات الأقمار الاصطناعية والإعلام الجديد، يأتي البعض منها من خارج حدود إسرائيل. وبالرغم من ذلك، فقد تركت هذه العقيدة آثارًا بالغة على خريطة الإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة العربية. بداية، أكّدت هذه العقيدة لسنين طويلة على طبيعة البثّ الإذاعي والتلفزيوني الإسرائيلي الناطق باللغة العربية لا بوصفه بثًّا للناطقين باللغة العربية بل بثًّا لأجلهم،[8] الأمر الذي يعني أن اليهود قد وضعوا ولا زالوا يضعون سياسة البثّ باللغة العربية خدمة لأهداف الدعاية الإسرائيلية. وكذلك الأمر بخصوص الصحافة، إذ استنسخت هذه العقيدة ووضعت في صلب الصحافة لأجل الناطقين باللغة العربية. إن حقيقة أن الأجهزة الحكومية قد استثمرت موارد كبيرة، على مدار سنين طويلة، في وسائل الإعلام التي عمل فيها خيرة القوى البشرية من الوسط العربي وبظروف مفضّلة، قد منع بالطبع إمكانية إعادة تأهيل الصحافة الفلسطينية التي اندثرت في سنة 1948.[9]

ثانيًا، تمّ تجنيد خيرة القوى البشرية الشابة من الوسط العربي للعمل في الراديو والتلفزيون لسان حال المؤسّسة الحكومية وبظروف مريحة قياسًا بالظروف المتاحة في صحف أخرى. وبهذه الطريقة فقد رعت أذرع الحكومية نخبة إعلامية جديدة خاضعة لرقابة غير صريحة لأجهزة الأمن.

ثالثًا، اعتُمدت العقيدة، التي وضعت بداية للبثّ الإذاعي، لاحقًا على يد أصحاب التلفزيون التجاري، إضافة إلى أن أوقات بثّ البرامج باللغة العربية في القناة الثانية والعاشرة كانت هي الأخرى في non-prime time.[10] تمتنع غالبًا هذه البرامج من تناول مسألة الصراع بصورة مباشرة، وبدلاً من ذلك، فإنها تركّز على قضايا مثل أساليب الحياة، وأوقات الفراغ، وأمور ثقافية وغيرها.

وأخيرًا، فإن للتنافس القائم حاليًا حول النموذجين – إعلام الناطقين بالعربية في مقابل إعلام من أجل الناطقين بالعربية – إسقاطات كذلك على علاقات الأغلبية-الأقلية في دولة إسرائيل. طالما يدفع الإعلام الجديد باتجاه إعلام الناطقين بالعربية، فإن قوة تأثير الأجهزة الحكومية على مراكز القوى في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، نعني وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، تضعف قياسًا بما كان سائدًا في الماضي.


המאמר מבוסס על פרק 7.2 בספר: דן כספי, 2005. סליחה, תקלה! דעיכתה של רשות השידור, מבשרת ציון: צבעונים, עמ’ 92—105.

  • البروفيسور دان كاسبي هو محاضر في قسم الإعلام، جامعة بن غوريون في النقب

[1] عوفاديا دنين، صهيوني بكل ثمن، القدس: كيدوم، 1987، ص 375. [بالعبرية]

[2] لقد أُنتج في حينه برنامجًا تلفزيونيًا شعبيًا للأطفال العرب واليهود باسم “سامي وحصانه” تناول قضايا عامة وتجاهل عن عمد الصراع العربي الإسرائيلي. يُنظر، دان كاسبي، “حول مسألة شرعية سلطة الإذاعة والتلفزيون بالعربية”، مغاموت (مجلة)، السنة 20، العدد 1، 1974، ص 96-104. [بالعبرية]

[3] عوفاديا دنين، مصدر سابق، ص 409-410.

[4] المصدر السابق، ص 410.

[5] المصدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] المصدر السابق، ص 411.

[8] حول الفرق بين جهازي الإعلام، يُنظر:

Dan Caspi and Nelly Elias, 2010. “Don’t Patronize Me: Media-by and Media-for Minorities,” Ethnic and Racial Studies, 34(1), 62—82 (http://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/01419871003743413#.UupSuv0hsrx).

[9] يُنظر:

Mustafa Kabha and Dan Caspi, 2011. The Palestinian Arab In/Outsiders: Media and Conflict in Israel, London: Vallentine Mitchell (http://www.isbs.com/partnumber.asp?cid=27389&pnid=335134)

[10] إن أوقات بث البرامج بحدّ ذاتها تشي بالشيء الكثير عن الاهتمام الهامشي الذي يولى للناطقين باللغة العربية.

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות