יונתן גונן.
Below are share buttons

قريبات ولكن بعيدات: ما العلاقة بين الصحافة العربية في إسرائيل وبين الصحافة الفلسطينية

عدد 03,

هنالك اختلافات على صعيد المضامين واختلافات بنيوية وأيديولوجية جوهرية بين الصحافة العربية في إسرائيل وبين الصحافة الفلسطينية التي تصدر في الضفة الغربية وقطاع غزة. نتوقّف فيما يلي عند هذه الاختلافات إضافة إلى أوجه التشابه، وفي معرض ذلك نسلّط الضوء كذلك على دور الصحافة في تشكيل الهوية الوطنية/القومية.

يتوزّع المجتمع الفلسطيني حاليًا إلى ثلاثة أقسام: داخل إسرائيل، في المناطق التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، وفي الشتات حيث يعيش اللاجئون الفلسطينيون خارج حدود فلسطين التاريخية الانتدابية. طرأت في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يعيش نحو 3.5 مليون فلسطيني، تحوّلات سياسية على مدار السنين والتي أفضت إلى واقع صحافي مركّب ومتغيّر. تصدر حاليًا في الضفة الغربية ثلاث صحف يومية رئيسية باللغة العربية – القدس، والأيام، والحياة الجديدة، كما وتصدر في قطاع غزة صحيفتين – الرسالة وفلسطين. وكذلك تظهر في داخل إسرائيل بعض الصحف باللغة العربية، بعضها يصدر على صعيد قطري والآخر على صعيد محلّي، ونذكر فيما يلي الأكثر انتشارًا – الصنارة، وبانوراما، وكل العرب – والتي تصدر أسبوعيًا ويتأثّر شكلها من عوامل اقتصادية وتوافر الدخل من الدعاية – إضافة إلى صحيفة يومية واحدة هي صحيفة الاتحاد التي تصدر في حيفا.

إن الاختلاف الجوهري الذي يفصل الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل عن تلك الصادرة في مناطق السلطة الفلسطينية يكمن في طبيعتها. تحمل غالبية الصحف الصادرة في الضفة وغزة طابعًا حزبيًا تعمل على فرض جدول عمل سياسي وتجنيد أعضاء للأحزاب المختلفة التي توفّر رعاية للنشر. على سبيل المثال، تعتبر صحيفة الحياة الجديدة الناطق الرسمي للسلطة الفلسطينية وتميل إلى تفخيم دور رئيس السلطة محمود عباس وقراراته والسياسة التي يعتمدها؛ أما الرسالة فهي أداة دعائية بيد حركة حماس لنشر توجّهها وتسلّط الضوء على مواقف وقرارات السلطة الفلسطينية وتسلّط النقد الحاد لإسرائيل بما يستوي مع توجّه حماس.[1] بالمقابل، فإن الصحف الفلسطينية الثلاث الصادرة في إسرائيل هي صحف خاصة وتجارية. أما الصحيفة اليومية الاتحاد فهي تابعة للحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكذلك صحيفة صوت الحق والحرية فهي تابعة للحركة الإسلامية، وبالرغم من أنهما صحيفتان حزبيتان إلاّ أن نسب انتشارهما محدودة قياسًا بنسب انتشار الصحف الأسبوعية غير الحزبية.[2]

إن طبيعة كل صحيفة تخطّ الاختلاف بالمضامين وبسلم الأولويات. إن الصحف العربية الأكثر شيوعًا في إسرائيل، كما هو حال الصحافة العبرية الشائعة (معاريف، يديعوت أحرونوت، ويسرائيل هيوم)، ولكن بصور مختلفة عنها، فإنها تعتبر صحافة “صفراء” بطبيعتها، وتعرض الأخبار وتضيف إليها ملاحظات مثيرة تتسم بنوع من الفضائحية. وتعتمد هذه الصحف ما بات يعرف بتعبير الأخبار بالمعروضة بصورة مسلّية infotainment))، ومفاده الدمج بين الأخبار “اللّينة” (information) وبين المضامين المسلية (entertainment). لا تعتمد هذه الصحف التقارير الصحافية العميقة ولا توفّر تحليلات حول الأخبار وإنما تعتمد نشر التقارير القصيرة بعضها مقتبس عن وكالات أنباء أو من الإنترنت. إن التركيز على قصص سطحية تحمل عناوين مثيرة أو فضائحية وصور كبيرة قد أدّى إلى تعريف هذه الصحف على أنها “سوبرماركيتات” تبيع لمن يبحث عن الأخبار عناوين كثيرة تعتمد المضامين القليلة والمكتوبة بلغة بسيطة وليّنة.[3] لا يعتمد هذا التوجّه القراءة المعمّقة، ولكنه شائع جدًا بين القرّاء، وخاصة لأنه يعرض أخبارًا محلّية – سياسية واجتماعية وتجارية – تتعلّق بمحيطهم المعاش. أما الصحف الحزبية، مثل صحيفة الاتحاد وصحيفة فصل المقال، فإنهما تعتمدان الإثارة والفضائحية بصورة أقل، وتوفّران “أخبارًا جدية” أكثر (hard news) وتؤكّدان على رموز الهوية السياسية والأيديولوجية للحركتين اللتين تصدرهما.

كما هو الحال مع الصحف الحزبية الصادرة في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، وخلافًا بالصحف الأسبوعية “الفضائحية”، فإن الصحف الفلسطينية الصادرة في الضفة الغربية وغزة تعمل على تعزيز توجّهات الحركات التي تمثّلها. وبسبب هذا التماثل العميق مع حركة فتح أو حركة حماس، تدير الصحف التي تنطق باسمها حملات إعلامية تتضمّن نقدًا على الحركة الخصم تشمل تشهيرًا ونقدًا لاذعًا. بعبارات أخرى، تحاول صحف الضفة الغربية تقويض شرعية حركة حماس في غزة، بينما ترى حماس بالسلطة الفلسطينية ذراعًا تنفيذية لإسرائيل وتتبنّى توجّه حماس بوصفها بديلاً للسلطة الفلسطينية. تشمل الأخبار الصادرة عن هذه الصحف أحيانًا التقارير الكاذبة بشأن الخصم ولا تشمل أخبارًا “ليّنة” و”صفراء”. وتبعًا لذلك، من المثير الانتباه إلى أنه منذ سيطرة حماس على قطاع غزة تعتبر إسرائيل في الإعلام الفلسطيني “عدو أقل أهمية”، بينما يتلقّى الخصم – حركة فتح أو حماس – غالبية النقد الإعلامي.[4]

بالرغم من الاختلافات الجوهرية يمكن الإشارة إلى بعض أوجه الشبه بين الصحافة الفلسطينية وبين الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل. على سبيل المثال، ليس بالمفاجئ أن نكتشف أن جميعها تنشر معلومات وآراء بغية تحديد جدول الأعمال العام في المجتمع. تناقش الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل موضوعات لا تظهر غالبًا في الإعلام العبري، وبهذا فهي تستحدث حيزًا عامًا “محميًا” حيث أن حرية التعبير للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل وتوجّهها لجدول الأعمال العام غير مرتبط بمبنى القوة الذي تسيطر عليه الأغلبية “الخارجية”. بالرغم من ذلك، فإن الجري وراء المصالح التجارية والتركيز على الأخبار المحلية يستحدث وضعًا مركّبًا حيث تحاول الصحافة العربية استحداث هوية وطنية، ولكن بسبب الاعتبارات الاقتصادية والسعي وراء الحصول على شعبية واسعة في المجتمع، تتخذ أحيانًا قرارات إعلامية لا تدفع جدول الأعمال اليومية نحو جدول وطني أو اجتماعي.

كذلك، من الجدير بالذكر أن هنالك رقابة تحدّ من حرية التعبير على الصحافة العربية في إسرائيل وتلك الفلسطينية. يدّعي أمل جمّال بأن دولة إسرائيل تحاول السيطرة على حرية التعبير للمجتمع العربي وعلى وعيه الجماعي عبر السيطرة على الإعلام العربي ونشر المضامين من خلاله.[5] وهنالك تخوّف في أوساط الجمهور اليهودي من “الإدارة الحرة” للصحافة العربية التي ربما سترعى وتعزّز النزعات القومية والسياسية بين الجمهور العربي، ولذلك يجب فرض الرقابة الدائمة عليها.[6] ربما بسبب ذلك نادرًا ما نقرأ تقارير تتضمن نبرات معادية لإسرائيل في الإعلام العربي في إسرائيل قياسًا لما نقرأه في الصحافة الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، بسبب الدوافع التجارية والحزبية، نشهد وجود رقابة ضمنية في الصحافة العربية في إسرائيل، إضافة إلى الرقابة الرسمية. إذ إن المصالح المتناقضة للناشر أو للحزب الذي تناصره الصحيفة أو الناطقة باسمه تؤدّي أحيانًا إلى الإحجام عن نشر بعض التقارير. وقد عبّر عن ذلك أحد الصحافيّين لم يذكر اسمه: “إنني أمتنع عن الكتابة عن الثالوث المقدّس: الجنس والدين والسياسة”.[7] أما في سياق الصحافة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، فإن حرية التعبير مرتبطة بالأساس برأفة السلطات وتتغيّر بحسب الموقع الجغرافي حيث تصدر الصحيفة، إذ إن الصحافيّين الفلسطينيّين في الضفة وغزة لا يخضعون إلى الرقابة الحزبية فقط، وإنما يخضعون كذلك إلى رقابة يفرضها رؤساء التحرير الذين يتخوّفون من نشر معلومات من شأنها أن تلحق الضرر بمكانتهم وبتجارتهم.[8]

تدفع هذه الحالة نحو غياب الاستقلالية وغياب الموضوعية والثقة، وتضعف مكانة الصحافة العربية – في إسرائيل وفي مناطق السلطة الفلسطينية – في مقابل مصادر معلومات أخرى مثل التلفزيون والإنترنت اللذان يوفّران أخبارًا فورية وتشمل تحديثات على مدار الساعة. فقد وصلت نسبة القرّاء العرب في إسرائيل الذين قالوا إن الصحافة هي مصدر المعلومات المركزية لديهم إلى 10% فقط، مقابل 75% يحصلون على المعلومات بصورة مركزية من التلفزيون، إضافة إلى 5% قالوا إن الإنترنت هو المصدر الرئيسي للمعلومات الإخبارية لديهم. إلى ذلك يجب إضافة حقيقة أن الجمهور العربي في إسرائيل منكشف على الصحافة العبرية اليومية التي يقرأها نحو 5% منهم.[9] تجدر الإشارة إلى أن ضعف الصحافة المطبوعة قياسًا بالتلفزيون والإنترنت هي ظاهرة عالمية نابعة من أسباب عديدة.

وختامًا، من المثير الإشارة إلى وجود ظاهرة إضافية في الصحافة العربية في إسرائيل والتي تتلخّص في التأكيد على الهوية الفلسطينية. على الرغم من الرقابة، إلاّ أننا نشهد ميل هذه الصحافة إلى التعبير عن دعمها “لأخوتنا” الفلسطينيّين وبطموحاتهم الوطنية، وخاصة في مناسبات فلسطينية جامعة تدعو إلى الوحدة وتعزّز بلورة الهوية. على سبيل المثال، فقد عبّرت الصحافة العربية في إسرائيل عن دعمها للفلسطينيّين في بداية الانتفاضة الثانية وعبّرت عن غضبها من إسرائيل حتى أنها استعملت اصطلاحات استخدمتها الصحافة الفلسطينية في الضفة الغربية في حينه مثل “مجزرة جماعية”. تجري عملية بلورة الهوية الفلسطينية كذلك عبر التقارير والمقالات الصحافية التي تتناول النكبة الفلسطينية، وذلك من خلال وصف القرى المدمّرة التي فُرِّغت من أهلها في العامين 1947-1949، وكذلك عبر الرسومات والصور ومنها استخدام ألوان العلم الفلسطيني الأربعة – الأخضر والأحمر والأبيض والأسود – ووضعها على الصفحة الأولى في العناوين والدعايات.[10] إضافة إلى ذلك، كما هو حال الصحافة الفلسطينية، نشهد محاولة الصحافة العربية في إسرائيل للتواصل مع الحيز الثقافي العربي الإسلامي والتأكيد على عناصر عربية وإسلامية جامعة، مثل النهضة القومية والثقافة العربية المعاصرة ومركزية الأرض المقدّسة. إلى جانب الدعم الصريح لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق الاستقلال، يمكننا الإشارة كذلك إلى عملية موازية تعمل على تعميق “الأسرلة” بين الفلسطينيّين في إسرائيل، الأمر الذي يظهر جليًا عبر تحليل المضامين في الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل. وتتجلّى هذه الظاهرة بصورة رئيسية في الملحقات التي تصدر على شكل مجلات، مثل ملاحق العائلة والصحة والنساء والرياضة حيث يتم التأكيد في النصوص على اصطلاحات ومفردات مستقاة بصورة كبيرة من الصحافة العبرية.[11]


*يونتان غونين، طالب للقب الثاني ومساعد ابحاث في قسم الاعلام في الجامعة العبرية في القدس، عمل في السابق محرر الاخبار، ومراسل للشؤون العربية في ynet وفي موقع القناة العاشرة

[1] يونتان غونين، “التجمّع حول عَلَميْن: اغتيالات إسرائيل في الإعلام الفلسطيني”، أطر إعلامية: مجلة إسرائيلية للإعلام (مسغروت مديه) 11، 2003، 53-78.

[2] يعيل غئوني، “استهلاك الإعلام في الوسط العربي: قرّاء كل العرب ويديعوت أحرونوت”، غلوبس (صحيفة)، 20 تشرين الثاني 2008.

[3] يُنظر:Amal Jamal. The Arab Public Sphere in Israel: Media Space and Cultural Resistance, Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press, 2009.

[4] يُنظر:Nashat A. Aqtash, 2010. “Credibility of Palestinian Media as a Source of Information for Opinion Leaders,” Journal of Arab and Muslim Media Research, 3(1-2), 121–136

[5] أمل جمّال، مرجع سابق، ص 39-44.

[6] أمل زيادة وعبير قبطي. صحافيون وصحافيات عرب في إسرائيل. حيفا: مركز مساواة، 2004، ص 4. [بالعبرية]

[7] أورن فرسيكو. “صاحب الصحيفة هو سيّد الصحافيّين”، هعاين هشبيعيت (مجلة)، 10 تموز 2012.

[8] نداب كيرن. صحيفة وسلطة في السلطة الفلسطينية: النظام والصحافة في السنة الأولى للسلطة الفلسطينية – صحيفة الحياة الجديدة كحالة دراسية. تل أبيب: مركز موشيه ديان لدراسة الشرق الأوسط وأفريقيا، جامعة تل أبيب، 2010.

[9] أمل جمّال، مرجع سابق.

[10] مصطفى كبها. الصحافة العربية في إسرائيل 1984-2006 أداة لتشكيل هوية جديدة. تل أبيب: معهد حاييم هرتسوغ للإعلام والمجتمع والسياسة، 2006. [بالعبرية]

[11] مصطفى كبها ودان كاسبي. “من القدس المقدّسة إلى العين: توجّهات في الصحافة العربية في إسرائيل”، فنيم (مجلة)، العدد 16 (2001)، ص 44-55.

هنالك اختلافات على صعيد المضامين واختلافات بنيوية وأيديولوجية جوهرية بين الصحافة العربية في إسرائيل وبين الصحافة الفلسطينية التي تصدر في الضفة الغربية وقطاع غزة. نتوقّف فيما يلي عند هذه الاختلافات إضافة إلى أوجه التشابه، وفي معرض ذلك نسلّط الضوء كذلك على دور الصحافة في تشكيل الهوية الوطنية/القومية.

يتوزّع المجتمع الفلسطيني حاليًا إلى ثلاثة أقسام: داخل إسرائيل، في المناطق التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، وفي الشتات حيث يعيش اللاجئون الفلسطينيون خارج حدود فلسطين التاريخية الانتدابية. طرأت في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يعيش نحو 3.5 مليون فلسطيني، تحوّلات سياسية على مدار السنين والتي أفضت إلى واقع صحافي مركّب ومتغيّر. تصدر حاليًا في الضفة الغربية ثلاث صحف يومية رئيسية باللغة العربية – القدس، والأيام، والحياة الجديدة، كما وتصدر في قطاع غزة صحيفتين – الرسالة وفلسطين. وكذلك تظهر في داخل إسرائيل بعض الصحف باللغة العربية، بعضها يصدر على صعيد قطري والآخر على صعيد محلّي، ونذكر فيما يلي الأكثر انتشارًا – الصنارة، وبانوراما، وكل العرب – والتي تصدر أسبوعيًا ويتأثّر شكلها من عوامل اقتصادية وتوافر الدخل من الدعاية – إضافة إلى صحيفة يومية واحدة هي صحيفة الاتحاد التي تصدر في حيفا.

إن الاختلاف الجوهري الذي يفصل الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل عن تلك الصادرة في مناطق السلطة الفلسطينية يكمن في طبيعتها. تحمل غالبية الصحف الصادرة في الضفة وغزة طابعًا حزبيًا تعمل على فرض جدول عمل سياسي وتجنيد أعضاء للأحزاب المختلفة التي توفّر رعاية للنشر. على سبيل المثال، تعتبر صحيفة الحياة الجديدة الناطق الرسمي للسلطة الفلسطينية وتميل إلى تفخيم دور رئيس السلطة محمود عباس وقراراته والسياسة التي يعتمدها؛ أما الرسالة فهي أداة دعائية بيد حركة حماس لنشر توجّهها وتسلّط الضوء على مواقف وقرارات السلطة الفلسطينية وتسلّط النقد الحاد لإسرائيل بما يستوي مع توجّه حماس.[1] بالمقابل، فإن الصحف الفلسطينية الثلاث الصادرة في إسرائيل هي صحف خاصة وتجارية. أما الصحيفة اليومية الاتحاد فهي تابعة للحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكذلك صحيفة صوت الحق والحرية فهي تابعة للحركة الإسلامية، وبالرغم من أنهما صحيفتان حزبيتان إلاّ أن نسب انتشارهما محدودة قياسًا بنسب انتشار الصحف الأسبوعية غير الحزبية.[2]

إن طبيعة كل صحيفة تخطّ الاختلاف بالمضامين وبسلم الأولويات. إن الصحف العربية الأكثر شيوعًا في إسرائيل، كما هو حال الصحافة العبرية الشائعة (معاريف، يديعوت أحرونوت، ويسرائيل هيوم)، ولكن بصور مختلفة عنها، فإنها تعتبر صحافة “صفراء” بطبيعتها، وتعرض الأخبار وتضيف إليها ملاحظات مثيرة تتسم بنوع من الفضائحية. وتعتمد هذه الصحف ما بات يعرف بتعبير الأخبار بالمعروضة بصورة مسلّية infotainment))، ومفاده الدمج بين الأخبار “اللّينة” (information) وبين المضامين المسلية (entertainment). لا تعتمد هذه الصحف التقارير الصحافية العميقة ولا توفّر تحليلات حول الأخبار وإنما تعتمد نشر التقارير القصيرة بعضها مقتبس عن وكالات أنباء أو من الإنترنت. إن التركيز على قصص سطحية تحمل عناوين مثيرة أو فضائحية وصور كبيرة قد أدّى إلى تعريف هذه الصحف على أنها “سوبرماركيتات” تبيع لمن يبحث عن الأخبار عناوين كثيرة تعتمد المضامين القليلة والمكتوبة بلغة بسيطة وليّنة.[3] لا يعتمد هذا التوجّه القراءة المعمّقة، ولكنه شائع جدًا بين القرّاء، وخاصة لأنه يعرض أخبارًا محلّية – سياسية واجتماعية وتجارية – تتعلّق بمحيطهم المعاش. أما الصحف الحزبية، مثل صحيفة الاتحاد وصحيفة فصل المقال، فإنهما تعتمدان الإثارة والفضائحية بصورة أقل، وتوفّران “أخبارًا جدية” أكثر (hard news) وتؤكّدان على رموز الهوية السياسية والأيديولوجية للحركتين اللتين تصدرهما.

كما هو الحال مع الصحف الحزبية الصادرة في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، وخلافًا بالصحف الأسبوعية “الفضائحية”، فإن الصحف الفلسطينية الصادرة في الضفة الغربية وغزة تعمل على تعزيز توجّهات الحركات التي تمثّلها. وبسبب هذا التماثل العميق مع حركة فتح أو حركة حماس، تدير الصحف التي تنطق باسمها حملات إعلامية تتضمّن نقدًا على الحركة الخصم تشمل تشهيرًا ونقدًا لاذعًا. بعبارات أخرى، تحاول صحف الضفة الغربية تقويض شرعية حركة حماس في غزة، بينما ترى حماس بالسلطة الفلسطينية ذراعًا تنفيذية لإسرائيل وتتبنّى توجّه حماس بوصفها بديلاً للسلطة الفلسطينية. تشمل الأخبار الصادرة عن هذه الصحف أحيانًا التقارير الكاذبة بشأن الخصم ولا تشمل أخبارًا “ليّنة” و”صفراء”. وتبعًا لذلك، من المثير الانتباه إلى أنه منذ سيطرة حماس على قطاع غزة تعتبر إسرائيل في الإعلام الفلسطيني “عدو أقل أهمية”، بينما يتلقّى الخصم – حركة فتح أو حماس – غالبية النقد الإعلامي.[4]

بالرغم من الاختلافات الجوهرية يمكن الإشارة إلى بعض أوجه الشبه بين الصحافة الفلسطينية وبين الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل. على سبيل المثال، ليس بالمفاجئ أن نكتشف أن جميعها تنشر معلومات وآراء بغية تحديد جدول الأعمال العام في المجتمع. تناقش الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل موضوعات لا تظهر غالبًا في الإعلام العبري، وبهذا فهي تستحدث حيزًا عامًا “محميًا” حيث أن حرية التعبير للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل وتوجّهها لجدول الأعمال العام غير مرتبط بمبنى القوة الذي تسيطر عليه الأغلبية “الخارجية”. بالرغم من ذلك، فإن الجري وراء المصالح التجارية والتركيز على الأخبار المحلية يستحدث وضعًا مركّبًا حيث تحاول الصحافة العربية استحداث هوية وطنية، ولكن بسبب الاعتبارات الاقتصادية والسعي وراء الحصول على شعبية واسعة في المجتمع، تتخذ أحيانًا قرارات إعلامية لا تدفع جدول الأعمال اليومية نحو جدول وطني أو اجتماعي.

كذلك، من الجدير بالذكر أن هنالك رقابة تحدّ من حرية التعبير على الصحافة العربية في إسرائيل وتلك الفلسطينية. يدّعي أمل جمّال بأن دولة إسرائيل تحاول السيطرة على حرية التعبير للمجتمع العربي وعلى وعيه الجماعي عبر السيطرة على الإعلام العربي ونشر المضامين من خلاله.[5] وهنالك تخوّف في أوساط الجمهور اليهودي من “الإدارة الحرة” للصحافة العربية التي ربما سترعى وتعزّز النزعات القومية والسياسية بين الجمهور العربي، ولذلك يجب فرض الرقابة الدائمة عليها.[6] ربما بسبب ذلك نادرًا ما نقرأ تقارير تتضمن نبرات معادية لإسرائيل في الإعلام العربي في إسرائيل قياسًا لما نقرأه في الصحافة الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، بسبب الدوافع التجارية والحزبية، نشهد وجود رقابة ضمنية في الصحافة العربية في إسرائيل، إضافة إلى الرقابة الرسمية. إذ إن المصالح المتناقضة للناشر أو للحزب الذي تناصره الصحيفة أو الناطقة باسمه تؤدّي أحيانًا إلى الإحجام عن نشر بعض التقارير. وقد عبّر عن ذلك أحد الصحافيّين لم يذكر اسمه: “إنني أمتنع عن الكتابة عن الثالوث المقدّس: الجنس والدين والسياسة”.[7] أما في سياق الصحافة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، فإن حرية التعبير مرتبطة بالأساس برأفة السلطات وتتغيّر بحسب الموقع الجغرافي حيث تصدر الصحيفة، إذ إن الصحافيّين الفلسطينيّين في الضفة وغزة لا يخضعون إلى الرقابة الحزبية فقط، وإنما يخضعون كذلك إلى رقابة يفرضها رؤساء التحرير الذين يتخوّفون من نشر معلومات من شأنها أن تلحق الضرر بمكانتهم وبتجارتهم.[8]

تدفع هذه الحالة نحو غياب الاستقلالية وغياب الموضوعية والثقة، وتضعف مكانة الصحافة العربية – في إسرائيل وفي مناطق السلطة الفلسطينية – في مقابل مصادر معلومات أخرى مثل التلفزيون والإنترنت اللذان يوفّران أخبارًا فورية وتشمل تحديثات على مدار الساعة. فقد وصلت نسبة القرّاء العرب في إسرائيل الذين قالوا إن الصحافة هي مصدر المعلومات المركزية لديهم إلى 10% فقط، مقابل 75% يحصلون على المعلومات بصورة مركزية من التلفزيون، إضافة إلى 5% قالوا إن الإنترنت هو المصدر الرئيسي للمعلومات الإخبارية لديهم. إلى ذلك يجب إضافة حقيقة أن الجمهور العربي في إسرائيل منكشف على الصحافة العبرية اليومية التي يقرأها نحو 5% منهم.[9] تجدر الإشارة إلى أن ضعف الصحافة المطبوعة قياسًا بالتلفزيون والإنترنت هي ظاهرة عالمية نابعة من أسباب عديدة.

وختامًا، من المثير الإشارة إلى وجود ظاهرة إضافية في الصحافة العربية في إسرائيل والتي تتلخّص في التأكيد على الهوية الفلسطينية. على الرغم من الرقابة، إلاّ أننا نشهد ميل هذه الصحافة إلى التعبير عن دعمها “لأخوتنا” الفلسطينيّين وبطموحاتهم الوطنية، وخاصة في مناسبات فلسطينية جامعة تدعو إلى الوحدة وتعزّز بلورة الهوية. على سبيل المثال، فقد عبّرت الصحافة العربية في إسرائيل عن دعمها للفلسطينيّين في بداية الانتفاضة الثانية وعبّرت عن غضبها من إسرائيل حتى أنها استعملت اصطلاحات استخدمتها الصحافة الفلسطينية في الضفة الغربية في حينه مثل “مجزرة جماعية”. تجري عملية بلورة الهوية الفلسطينية كذلك عبر التقارير والمقالات الصحافية التي تتناول النكبة الفلسطينية، وذلك من خلال وصف القرى المدمّرة التي فُرِّغت من أهلها في العامين 1947-1949، وكذلك عبر الرسومات والصور ومنها استخدام ألوان العلم الفلسطيني الأربعة – الأخضر والأحمر والأبيض والأسود – ووضعها على الصفحة الأولى في العناوين والدعايات.[10] إضافة إلى ذلك، كما هو حال الصحافة الفلسطينية، نشهد محاولة الصحافة العربية في إسرائيل للتواصل مع الحيز الثقافي العربي الإسلامي والتأكيد على عناصر عربية وإسلامية جامعة، مثل النهضة القومية والثقافة العربية المعاصرة ومركزية الأرض المقدّسة. إلى جانب الدعم الصريح لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق الاستقلال، يمكننا الإشارة كذلك إلى عملية موازية تعمل على تعميق “الأسرلة” بين الفلسطينيّين في إسرائيل، الأمر الذي يظهر جليًا عبر تحليل المضامين في الصحافة العربية الصادرة في إسرائيل. وتتجلّى هذه الظاهرة بصورة رئيسية في الملحقات التي تصدر على شكل مجلات، مثل ملاحق العائلة والصحة والنساء والرياضة حيث يتم التأكيد في النصوص على اصطلاحات ومفردات مستقاة بصورة كبيرة من الصحافة العبرية.[11]


*يونتان غونين، طالب للقب الثاني ومساعد ابحاث في قسم الاعلام في الجامعة العبرية في القدس، عمل في السابق محرر الاخبار، ومراسل للشؤون العربية في ynet وفي موقع القناة العاشرة

[1] يونتان غونين، “التجمّع حول عَلَميْن: اغتيالات إسرائيل في الإعلام الفلسطيني”، أطر إعلامية: مجلة إسرائيلية للإعلام (مسغروت مديه) 11، 2003، 53-78.

[2] يعيل غئوني، “استهلاك الإعلام في الوسط العربي: قرّاء كل العرب ويديعوت أحرونوت”، غلوبس (صحيفة)، 20 تشرين الثاني 2008.

[3] يُنظر:Amal Jamal. The Arab Public Sphere in Israel: Media Space and Cultural Resistance, Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press, 2009.

[4] يُنظر:Nashat A. Aqtash, 2010. “Credibility of Palestinian Media as a Source of Information for Opinion Leaders,” Journal of Arab and Muslim Media Research, 3(1-2), 121–136

[5] أمل جمّال، مرجع سابق، ص 39-44.

[6] أمل زيادة وعبير قبطي. صحافيون وصحافيات عرب في إسرائيل. حيفا: مركز مساواة، 2004، ص 4. [بالعبرية]

[7] أورن فرسيكو. “صاحب الصحيفة هو سيّد الصحافيّين”، هعاين هشبيعيت (مجلة)، 10 تموز 2012.

[8] نداب كيرن. صحيفة وسلطة في السلطة الفلسطينية: النظام والصحافة في السنة الأولى للسلطة الفلسطينية – صحيفة الحياة الجديدة كحالة دراسية. تل أبيب: مركز موشيه ديان لدراسة الشرق الأوسط وأفريقيا، جامعة تل أبيب، 2010.

[9] أمل جمّال، مرجع سابق.

[10] مصطفى كبها. الصحافة العربية في إسرائيل 1984-2006 أداة لتشكيل هوية جديدة. تل أبيب: معهد حاييم هرتسوغ للإعلام والمجتمع والسياسة، 2006. [بالعبرية]

[11] مصطفى كبها ودان كاسبي. “من القدس المقدّسة إلى العين: توجّهات في الصحافة العربية في إسرائيل”، فنيم (مجلة)، العدد 16 (2001)، ص 44-55.

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות