כותרת: "הקבינט המדיני ביטחוני אישר להקים 9 התנחלויות חדשות ע"י הכשרת 10 מאחזים בלתי חוקיים בשטחים", 14.02.23
Below are share buttons

الحالة الاستعمارية والمصالحة الصهيونية ـ الفلسطينية 

عدد 10,

لنبحث عن جذور الصراع

كما يدل قرار المجلس الوزاري المصغّر في حكومة نتنياهو السادسة، المشار إليه أعلاه، فإن عملية “تبييض” المستعمرات غير القانونية في الضفة الغربية تفتتح فصلاً جديداً في 2023. هي نقطة انطلاق مناسبة لهذه المقالة القصيرة التي سأجادل فيها بأن اعتماد إطار تحليلي استعماري هو أمر ضروري لفهم الصراع الصهيوني ـ الفلسطيني ومن ثم، بالتالي، لحله الثنائي القومية. هذا ليس مجرد فهمٍ تاريخي أو فكري فحسب، بل هو تصوّر يتطلب التخطيط لخطوات نحو تفكيك الاستعمار سعياً إلى مصالحة ممكنة وتفكيك نظام الأبارتهايد المتشكل بين البحر والنهر. 

إحدى المسائل المركزية في حل الصراعات هي الكشف عن جذورها وتحديدها، أي الأسباب العميقة التي أدت إلى نشوء هذه الصراعات واستمرارها. جميع المحاولات للقفز عن هذه الأسباب محكومة، عادة، بالفشل وهي أشبه بوضع لفافة على جرح متقيّح من دون تنظيفه. لا بل، من شأن التغاضي عن الأسباب العميقة للصراعات أن يولّد ثقافة الإنكار والتضليل التي تتحول، مع مرور السنين، إلى عائق في حد ذاته. 

على مدى أكثر من سبعة عقود وحتى وقت قريب، كان التوجه السائد أن محور الصراع في البلاد هو صراع حدوديّ بين حركتين وطنيتين يجري في إطاره احتلال إسرائيلي مؤقت لمناطق فلسطينية وأنّ نهايته مرهونة بإنشاء دولتين متجاورتين بسلام، جنباً إلى جنب. كذلك المجتمع الدولي والقانون الدولي لا يزالان يؤيدان تقسيم البلاد إلى دولتين عرقيتين ـ قوميتين. لكنّ هذه الرؤية تشوه ديناميكيات الصراع، إذ يتخذها الخطاب المهيمن في وسائل الإعلام، في الأوساط الأكاديمية، في السياسة وحتى بين معظم منظمات السلام، مرتكَزاً لتجاهل عاملين عميقين لا يقلان أهمية: الاستعمار المستمر في فلسطين والتقسيم العرقي ـ الطبقي. في مقالتي هذه سأتناول العامل الأول والحاجة إلى تحريك عملية تفكيك الاستعمار كشرط للمصالحة في الوطن المشترك.  

السيرورة الاستعمارية 

ثمة أنماط عدة من الاستعمار، وخاصة العسكرية والاقتصادية. وسأركز هنا على الاستعمار الاستيطاني (settler colonialism)، وهو نمط متميز وشائع من الاستعمار، يُعرَّف بأنه سيرورة منظَّمة تستولي من خلالها جماعة أو دولة على منطقة ما، بسكانها ومواردها، وتوطِّن فيها أعضاء الجماعة الغازية وتديرها بواسطة تراتبية هرمية عنصرية. في إطار هذه السيرورة، يتم عادة إقصاء السكان الأصليين وترحيلهم فيفقدون الغالبية الساحقة من أراضيهم، مواردهم وقوتهم السياسية. هذه السيرورة الاستعمارية قد تكون خارجية ـ خارج نطاق حدود الدولة، وعندئذ تُعتبر جريمة حرب، بالتعريف؛ أو داخلية ـ تجاه مجموعات سكانية أصلانية محرومة ويجري في إطارها انتهاك حقوق الإنسان الفردية والجماعية بشكل خطير، إلى جانب المأسسة الطويلة الأمد لنظام الأبارتهايد، كما في جنوب الولايات المتحدة، إيرلندا الشمالية أو جنوب أفريقيا. خلال العصر الحديث، أشعلت السيرورات الاستعمارية الاستيطانية في أنحاء مختلفة من العالم سلسلة طويلة من الصدامات الفتاكة التي لا يزال بعضها فوّاراً حتى اليوم. في بلادنا، السيرورة الاستعمارية الاستيطانية، الخارجية والداخلية، المتواصلة هي التي تشكل أساس وصلب الصراع الصهيوني ـ الفلسطيني حتى اليوم، كما يتضح من الخبر عن تصريح نتنياهو بشأن تسوية “الاستيطان الفتيّ”، والذي استهللنا به هذه المقالة. 

من المهم الإشارة إلى أنه خلافاً للاستعمار الاقتصادي أو العسكري، الذي يتحقق حله عادةً بانصراف القوة المُحتلة ـ كما حصل، على سبيل المثال، في الهند، نيجيريا، إندونيسيا أو الجزائر ـ في الدول التي أنشئت عبر سيرورات استعمارية استيطانية، بقي السكان المستوطنون في مواقعهم. السكان المستوطِنون يشكلون عاملاً مركزياً في عملية المصالحة، كما يحصل خلال العقود الأخيرة في جنوب أفريقيا، إيرلندا الشمالية، نيوزيلاندا، أستراليا، المكسيك وبوليفيا. لهذا الفهم أهمية كبيرة في تهدئة مخاوف اليهود من مطالبة غير شرعية برحيلهم عن البلاد. وكما في دول استيطانية أخرى، ينبغي للمصالحة الحقيقة أن تشمل أيضاً الاعتراف المتبادل، بكل أبعاده.   

 استعمار في البلاد؟ 

الرسم التوضيحي أدناه يصوّر عملية متسقة وعميقة لاستعمار يهودي في البلاد أقيمت في إطاره نحو 1,200 بلدة يهودية (!)، تم إخلاء بعضها. وفي موازاة ذلك، هدمت إسرائيل نحو 450 بلدة فلسطينية؛ هجّرت نحو ثلثيّ أبناء الشعب الفلسطيني الذين أصبحوا لاجئين إبّان “النكبة” في العام 1948 وخسروا أراضيهم لصالح الدولة المستوطِنة؛ ثم أغلقت الباب أمام عودتهم إلى أراضيهم. بعد العام 1967، استمر تهويد المكان اعتماداً على الاحتلال العسكري في ما وراء الحدود، مصادرة الأراضي، إنشاء نحو 250 مستوطنة والضم الفعلي لمنطقة “سي” (C).    

 انتشار الاستيطان اليهودي في البلاد
عملية تهويد الحيّز

التأطير المفاهيميّ للصهيونية باعتبارها استعماراً يكون مقروناً بتحفظين اثنين. الأول، أن غالبية اليهود قدِمت إلى البلاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين كلاجئين مشردين، بعضهم في أعقاب عملية إبادة شعب مروّعة. لهذا، بالإمكان وصف المشروع الصهيوني في بدايته بأنه “استعمار لاجئين”. وقد كان لهذا الوضع أثر كبير على شعور الصهيونية بالعدالة وعلى دعم الدول العظمى الغربية لها. الثاني، أنه خلافاً للوضع في معظم الدول الاستعمارية، الصراع هنا لم يُحسَم. الشعب الأصلاني، الفلسطيني، يواصل النضال ضد عملية التهويد ويسعى إلى تقرير مصيره. 

على خلفية الظروف التاريخية والجغرافية وسياسة الفوقية اليهودية، نشأت في كنف النظام هنا طبقات مختلفة من العرب الفلسطينيين ـ جميعهم أدنى مرتبة ومكانة من مرتبة اليهود ومكانتهم ـ وبينهم لاجئون، رعايا تحت الاحتلال أو الحصار، رعايا سكان في القدس ومواطنون من الدرجة الثانية في داخل إسرائيل. المؤسسات الإسرائيلية ـ اليهودية ـ مثل الحكومة، الكنيست، الجيش، الصندوق القومي اليهودي (كيرن كييمت ليسرائيل)، الوكالة اليهودية، دائرة الاستيطان، سلطة أراضي إسرائيل، حركات التوطين وغيرها ـ تواصل إدارة الحيز الممتد ما بين البحر والنهر من خلال الإقصاء التام، تقريباً، لنصف سكان البلاد، الفلسطينيين. 

تشكل هذه المؤسسات الأساس العميق للطابع الاستعماري المستمر لهذا الصراع، الذي يذيب الفوارق القانونية بين المناطق “المستعمرة” وبين إسرائيل ذاتها، ويصمم طابع نظام الحكم في إسرائيل ليس كدولة يهودية فحسب، بل كدولة تهويد أيضاً. وفي هذا الإطار، يتمأسس خلال الجيل الأخير، في الواقع وفعلياً، نظام أبارتهايد ما بين البحر والنهر تسعى الأقلية اليهودية من خلاله إلى تكريس فوقيتها على أساس قانون القومية من العام 2018، والذي يحصّن هذه الفوقية كقيمة دستورية عليا. أما محاولات حكومة نتنياهو السادسة لإضعاف السلطة القضائية، فهي تأتي لتسهيل تنفيذ الإجراء الذي يمكن وصفه بأنه إحكام استبداد الأقلية. 

تفكيك الاستعمار والمصالحة  

ما وجه الأهمية في الاعتراف بالبُعد الاستعماري؟ باختصار، لأن ديناميكية الاستيلاء والاستيطان الاستعماريين ومأسستهما ليشكلا المبنى العميق للدولة هما لبّ الصراع وجوهره. ثمة أبحاث عديدة تشير إلى العلاقة ما بين الأنظمة الاستعمارية الداخلية وبين موجات المقاومة، الكراهية والإرهاب. تعريف الاستعمار والأبارتهايد بأنهما جرائم وفق القانون الدولي يسلط ضوءاً ساطعاً على الحضيض الأخلاقي الذي يرتعان فيه. كذلك تبين التجربة الدولية ـ في إيرلندا الشمالية، كندا، جنوب أفريقيا، كوسوفو، أستراليا وفي نيوزيلاندا، على سبيل المثال ـ أن تقدماً واضحاً نحو المصالحة قد تحقق من الناحية السياسية فقط عندما تم إضعاف المقوّمات الاستعمارية، ثم إلغاؤها في نهاية المطاف، ولو جزئياً.  

وفي إسرائيل/ فلسطين؟ هنا، أيضاً، ليس ثمة طريقة لتجاوز تفكيك الاستعمار، أو الالتفاف عليه، كجزء من عملية خلق مسارات للمصالحة التي يجب أن تشمل إنهاء التوسع والتفوق اليهوديين بكل أبعادهما ومكوّناتهما. من الواضح أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، مثل بُعد الشرق عن الغرب في هذه الأيام، إلا أنه ضروري وحتمي من أجل إطلاق عملية مصالحة حقيقية ومستقرة.

إحدى النقاط المفتاحية في مجموعة البحث الحالية هي أنه يتعين على تفكيك الاستعمار الفعّال أن يشمل مكوّنات جدية وهامة من المشاركة وأن على معظم المجموعات التي تقيم في هذه البلاد أن تشارك فيه. يتطلب هذا الجانب تشكيل أطر وتحالفات مشتركة لكلا الشعبين في المجتمع المدني، الأكاديميا، النقابات والاتحادات المهنية، الأطر فوق الدينية وحتى في الهيئات الرسمية. وفي غضون ذلك، من الضروري أيضاً أن يتحقق اعتراف يهودي بحقوق الفلسطينيين، من جهة، واعتراف فلسطيني بحقوق اليهود في البلاد وبالندوب التاريخية العميقة التي يحملونها. وفي رأيي، أنه إضافة إلى التخلي عن النضال العنيف والقبول الواعي بسريان القانون الدولي الذي يعترف بحقوق كلا الشعين، فإن المحور المركزي للمصالحة المتبادلة يكمن في تنمية وتعزيز ارتباط ثنائي القومية، تاريخي، عاطفية، ثقافية، مشهديّ وسياسي بالوطن المشترك.  

تتطلب رؤية تفكيك الاستعمار إجراء إصلاحات شاملة في مختلف مناحي النظام ومجالاته، تقريباً، لكن لا مجال لتفصيلها في هذا الإطار المحدود. سأشدد هنا على الخطوة الضرورية الأولى، وهي تغيير الخطاب ومحورته في تغيير الطبيعة العنصرية للحالة الاستعمارية ولنظام الأبارتهايد المتشكل انبثاقاً منها. ينبغي رعاية الخطاب الجديد وتعزيزه في أطر مشتركة، مثل معهد فان لير، التنظيمات الاجتماعية، الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى أو الحركات السياسية، مثل “بلاد للجميع”؛ كما تشكل مجموعة البحث الحالية مثالاً حياً لمثل هذا الخطاب. تحديد الجذور الاستعمارية للصراع وإصلاحها هما قاعدة لانطلاقة حقيقة في مسيرة مصالحة ضرورية من أجل ضمان مستقبل اليهود والفلسطينيين في الوطن الثنائي القومية المشترك. ولا مستقبل آخر. 

أورن يفتحال

מִנְבַּר

لنبحث عن جذور الصراع

كما يدل قرار المجلس الوزاري المصغّر في حكومة نتنياهو السادسة، المشار إليه أعلاه، فإن عملية “تبييض” المستعمرات غير القانونية في الضفة الغربية تفتتح فصلاً جديداً في 2023. هي نقطة انطلاق مناسبة لهذه المقالة القصيرة التي سأجادل فيها بأن اعتماد إطار تحليلي استعماري هو أمر ضروري لفهم الصراع الصهيوني ـ الفلسطيني ومن ثم، بالتالي، لحله الثنائي القومية. هذا ليس مجرد فهمٍ تاريخي أو فكري فحسب، بل هو تصوّر يتطلب التخطيط لخطوات نحو تفكيك الاستعمار سعياً إلى مصالحة ممكنة وتفكيك نظام الأبارتهايد المتشكل بين البحر والنهر. 

إحدى المسائل المركزية في حل الصراعات هي الكشف عن جذورها وتحديدها، أي الأسباب العميقة التي أدت إلى نشوء هذه الصراعات واستمرارها. جميع المحاولات للقفز عن هذه الأسباب محكومة، عادة، بالفشل وهي أشبه بوضع لفافة على جرح متقيّح من دون تنظيفه. لا بل، من شأن التغاضي عن الأسباب العميقة للصراعات أن يولّد ثقافة الإنكار والتضليل التي تتحول، مع مرور السنين، إلى عائق في حد ذاته. 

على مدى أكثر من سبعة عقود وحتى وقت قريب، كان التوجه السائد أن محور الصراع في البلاد هو صراع حدوديّ بين حركتين وطنيتين يجري في إطاره احتلال إسرائيلي مؤقت لمناطق فلسطينية وأنّ نهايته مرهونة بإنشاء دولتين متجاورتين بسلام، جنباً إلى جنب. كذلك المجتمع الدولي والقانون الدولي لا يزالان يؤيدان تقسيم البلاد إلى دولتين عرقيتين ـ قوميتين. لكنّ هذه الرؤية تشوه ديناميكيات الصراع، إذ يتخذها الخطاب المهيمن في وسائل الإعلام، في الأوساط الأكاديمية، في السياسة وحتى بين معظم منظمات السلام، مرتكَزاً لتجاهل عاملين عميقين لا يقلان أهمية: الاستعمار المستمر في فلسطين والتقسيم العرقي ـ الطبقي. في مقالتي هذه سأتناول العامل الأول والحاجة إلى تحريك عملية تفكيك الاستعمار كشرط للمصالحة في الوطن المشترك.  

السيرورة الاستعمارية 

ثمة أنماط عدة من الاستعمار، وخاصة العسكرية والاقتصادية. وسأركز هنا على الاستعمار الاستيطاني (settler colonialism)، وهو نمط متميز وشائع من الاستعمار، يُعرَّف بأنه سيرورة منظَّمة تستولي من خلالها جماعة أو دولة على منطقة ما، بسكانها ومواردها، وتوطِّن فيها أعضاء الجماعة الغازية وتديرها بواسطة تراتبية هرمية عنصرية. في إطار هذه السيرورة، يتم عادة إقصاء السكان الأصليين وترحيلهم فيفقدون الغالبية الساحقة من أراضيهم، مواردهم وقوتهم السياسية. هذه السيرورة الاستعمارية قد تكون خارجية ـ خارج نطاق حدود الدولة، وعندئذ تُعتبر جريمة حرب، بالتعريف؛ أو داخلية ـ تجاه مجموعات سكانية أصلانية محرومة ويجري في إطارها انتهاك حقوق الإنسان الفردية والجماعية بشكل خطير، إلى جانب المأسسة الطويلة الأمد لنظام الأبارتهايد، كما في جنوب الولايات المتحدة، إيرلندا الشمالية أو جنوب أفريقيا. خلال العصر الحديث، أشعلت السيرورات الاستعمارية الاستيطانية في أنحاء مختلفة من العالم سلسلة طويلة من الصدامات الفتاكة التي لا يزال بعضها فوّاراً حتى اليوم. في بلادنا، السيرورة الاستعمارية الاستيطانية، الخارجية والداخلية، المتواصلة هي التي تشكل أساس وصلب الصراع الصهيوني ـ الفلسطيني حتى اليوم، كما يتضح من الخبر عن تصريح نتنياهو بشأن تسوية “الاستيطان الفتيّ”، والذي استهللنا به هذه المقالة. 

من المهم الإشارة إلى أنه خلافاً للاستعمار الاقتصادي أو العسكري، الذي يتحقق حله عادةً بانصراف القوة المُحتلة ـ كما حصل، على سبيل المثال، في الهند، نيجيريا، إندونيسيا أو الجزائر ـ في الدول التي أنشئت عبر سيرورات استعمارية استيطانية، بقي السكان المستوطنون في مواقعهم. السكان المستوطِنون يشكلون عاملاً مركزياً في عملية المصالحة، كما يحصل خلال العقود الأخيرة في جنوب أفريقيا، إيرلندا الشمالية، نيوزيلاندا، أستراليا، المكسيك وبوليفيا. لهذا الفهم أهمية كبيرة في تهدئة مخاوف اليهود من مطالبة غير شرعية برحيلهم عن البلاد. وكما في دول استيطانية أخرى، ينبغي للمصالحة الحقيقة أن تشمل أيضاً الاعتراف المتبادل، بكل أبعاده.   

 استعمار في البلاد؟ 

الرسم التوضيحي أدناه يصوّر عملية متسقة وعميقة لاستعمار يهودي في البلاد أقيمت في إطاره نحو 1,200 بلدة يهودية (!)، تم إخلاء بعضها. وفي موازاة ذلك، هدمت إسرائيل نحو 450 بلدة فلسطينية؛ هجّرت نحو ثلثيّ أبناء الشعب الفلسطيني الذين أصبحوا لاجئين إبّان “النكبة” في العام 1948 وخسروا أراضيهم لصالح الدولة المستوطِنة؛ ثم أغلقت الباب أمام عودتهم إلى أراضيهم. بعد العام 1967، استمر تهويد المكان اعتماداً على الاحتلال العسكري في ما وراء الحدود، مصادرة الأراضي، إنشاء نحو 250 مستوطنة والضم الفعلي لمنطقة “سي” (C).    

 انتشار الاستيطان اليهودي في البلاد
عملية تهويد الحيّز

التأطير المفاهيميّ للصهيونية باعتبارها استعماراً يكون مقروناً بتحفظين اثنين. الأول، أن غالبية اليهود قدِمت إلى البلاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين كلاجئين مشردين، بعضهم في أعقاب عملية إبادة شعب مروّعة. لهذا، بالإمكان وصف المشروع الصهيوني في بدايته بأنه “استعمار لاجئين”. وقد كان لهذا الوضع أثر كبير على شعور الصهيونية بالعدالة وعلى دعم الدول العظمى الغربية لها. الثاني، أنه خلافاً للوضع في معظم الدول الاستعمارية، الصراع هنا لم يُحسَم. الشعب الأصلاني، الفلسطيني، يواصل النضال ضد عملية التهويد ويسعى إلى تقرير مصيره. 

على خلفية الظروف التاريخية والجغرافية وسياسة الفوقية اليهودية، نشأت في كنف النظام هنا طبقات مختلفة من العرب الفلسطينيين ـ جميعهم أدنى مرتبة ومكانة من مرتبة اليهود ومكانتهم ـ وبينهم لاجئون، رعايا تحت الاحتلال أو الحصار، رعايا سكان في القدس ومواطنون من الدرجة الثانية في داخل إسرائيل. المؤسسات الإسرائيلية ـ اليهودية ـ مثل الحكومة، الكنيست، الجيش، الصندوق القومي اليهودي (كيرن كييمت ليسرائيل)، الوكالة اليهودية، دائرة الاستيطان، سلطة أراضي إسرائيل، حركات التوطين وغيرها ـ تواصل إدارة الحيز الممتد ما بين البحر والنهر من خلال الإقصاء التام، تقريباً، لنصف سكان البلاد، الفلسطينيين. 

تشكل هذه المؤسسات الأساس العميق للطابع الاستعماري المستمر لهذا الصراع، الذي يذيب الفوارق القانونية بين المناطق “المستعمرة” وبين إسرائيل ذاتها، ويصمم طابع نظام الحكم في إسرائيل ليس كدولة يهودية فحسب، بل كدولة تهويد أيضاً. وفي هذا الإطار، يتمأسس خلال الجيل الأخير، في الواقع وفعلياً، نظام أبارتهايد ما بين البحر والنهر تسعى الأقلية اليهودية من خلاله إلى تكريس فوقيتها على أساس قانون القومية من العام 2018، والذي يحصّن هذه الفوقية كقيمة دستورية عليا. أما محاولات حكومة نتنياهو السادسة لإضعاف السلطة القضائية، فهي تأتي لتسهيل تنفيذ الإجراء الذي يمكن وصفه بأنه إحكام استبداد الأقلية. 

تفكيك الاستعمار والمصالحة  

ما وجه الأهمية في الاعتراف بالبُعد الاستعماري؟ باختصار، لأن ديناميكية الاستيلاء والاستيطان الاستعماريين ومأسستهما ليشكلا المبنى العميق للدولة هما لبّ الصراع وجوهره. ثمة أبحاث عديدة تشير إلى العلاقة ما بين الأنظمة الاستعمارية الداخلية وبين موجات المقاومة، الكراهية والإرهاب. تعريف الاستعمار والأبارتهايد بأنهما جرائم وفق القانون الدولي يسلط ضوءاً ساطعاً على الحضيض الأخلاقي الذي يرتعان فيه. كذلك تبين التجربة الدولية ـ في إيرلندا الشمالية، كندا، جنوب أفريقيا، كوسوفو، أستراليا وفي نيوزيلاندا، على سبيل المثال ـ أن تقدماً واضحاً نحو المصالحة قد تحقق من الناحية السياسية فقط عندما تم إضعاف المقوّمات الاستعمارية، ثم إلغاؤها في نهاية المطاف، ولو جزئياً.  

وفي إسرائيل/ فلسطين؟ هنا، أيضاً، ليس ثمة طريقة لتجاوز تفكيك الاستعمار، أو الالتفاف عليه، كجزء من عملية خلق مسارات للمصالحة التي يجب أن تشمل إنهاء التوسع والتفوق اليهوديين بكل أبعادهما ومكوّناتهما. من الواضح أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، مثل بُعد الشرق عن الغرب في هذه الأيام، إلا أنه ضروري وحتمي من أجل إطلاق عملية مصالحة حقيقية ومستقرة.

إحدى النقاط المفتاحية في مجموعة البحث الحالية هي أنه يتعين على تفكيك الاستعمار الفعّال أن يشمل مكوّنات جدية وهامة من المشاركة وأن على معظم المجموعات التي تقيم في هذه البلاد أن تشارك فيه. يتطلب هذا الجانب تشكيل أطر وتحالفات مشتركة لكلا الشعبين في المجتمع المدني، الأكاديميا، النقابات والاتحادات المهنية، الأطر فوق الدينية وحتى في الهيئات الرسمية. وفي غضون ذلك، من الضروري أيضاً أن يتحقق اعتراف يهودي بحقوق الفلسطينيين، من جهة، واعتراف فلسطيني بحقوق اليهود في البلاد وبالندوب التاريخية العميقة التي يحملونها. وفي رأيي، أنه إضافة إلى التخلي عن النضال العنيف والقبول الواعي بسريان القانون الدولي الذي يعترف بحقوق كلا الشعين، فإن المحور المركزي للمصالحة المتبادلة يكمن في تنمية وتعزيز ارتباط ثنائي القومية، تاريخي، عاطفية، ثقافية، مشهديّ وسياسي بالوطن المشترك.  

تتطلب رؤية تفكيك الاستعمار إجراء إصلاحات شاملة في مختلف مناحي النظام ومجالاته، تقريباً، لكن لا مجال لتفصيلها في هذا الإطار المحدود. سأشدد هنا على الخطوة الضرورية الأولى، وهي تغيير الخطاب ومحورته في تغيير الطبيعة العنصرية للحالة الاستعمارية ولنظام الأبارتهايد المتشكل انبثاقاً منها. ينبغي رعاية الخطاب الجديد وتعزيزه في أطر مشتركة، مثل معهد فان لير، التنظيمات الاجتماعية، الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى أو الحركات السياسية، مثل “بلاد للجميع”؛ كما تشكل مجموعة البحث الحالية مثالاً حياً لمثل هذا الخطاب. تحديد الجذور الاستعمارية للصراع وإصلاحها هما قاعدة لانطلاقة حقيقة في مسيرة مصالحة ضرورية من أجل ضمان مستقبل اليهود والفلسطينيين في الوطن الثنائي القومية المشترك. ولا مستقبل آخر. 

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות