עיסאוויה (צילום: חגי אגמון-שניר, מתוך ויקימדיה)
Below are share buttons

تخطيط قائم على شراكة مدنية ـ حضرية: إعادة تخطيط حي العيساوية، من جديد

عدد 10,

هدفي من هذه المقالة هو التفكير بأفكار حول المصالحة المبنية على شراكة مدنية “من القاعدة”، من قلب الحيز المديني/ الحضري الحقيقي في القدس الشرقية. التمعن في سيرورات التخطيط الحالية في المدينة، والتي تصف الحيز القائم وتعمل على تخيل مستقبله/ مستقبَلاته الممكن/ة في الوقت ذاته، يجعل من الممكن تحديد لحظات التغيير. وعلى أساسها، سوف أرسم خطوط العمل الأولية لتعزيز الشراكة المدنية ـ الحضرية في الحيز المقدسي، وهي عملية تشمل أيضاً إنهاء الاستعمار في تطبيق التخطيط الحضري. هذا التمحور ينقل مركز ثقل النقاش حول القدس من أبعادها السامية إلى أبعادها الأرضية، سعياً إلى إتاحة العيش اللائق والتعبير المحترم لكلا المجتمعين اللذين يعيشان في المدينة والإقرار بوضعية الاعتماد المتبادل القائمة بينهما، فعلياً. 

تفترض مناقشتي حول القدس أن المدينة ستبقى مفتوحة وستواصل العيش كوحدة حضرية واحدة، في إطار أي تسوية سياسية ترتكز على العدل والمساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن، خلافاً للوضع القائم اليوم، حيث يعيش نحو أربعين بالمائة من سكان المدينة بدون مكانة مدنية كاملة ويخضعون لنظام تمييز، إقصاء، إهمال وتهميش مستمر، ستُطبق في إطارها ترتيبات للشراكة في السلطة استناداً إلى آليات التمثيل وتوزيع القوة بصورة متساوية. ولأنه ليست هنالك، من وجهة نظري، أية إمكانية نظرية أو عملية لاقتراح تقسيم الحيز المديني بصورة عادلة من دون إلحاق ضرر قاتل بنسيج الحياة اليومية وبالتقاليد الوطنية لدى كلا المجتمعين، فإنه ينبغي فهم القدس ليس كاستثناء لتسوية جيوسياسية محتملة ومرغوب فيها في إسرائيل/ فلسطين، وإنما كمحكّ واختبار لأية تسوية مستقبلية. بكلمات أخرى، يبقى التحليل المُقترَح هنا والعَرض التحويلي المشتق منه نافذين وقابلين للتطبيق في كامل الحيز المتنازَع عليه، والذي تغدو فيه الجغرافيا الخلافية والديمغرافيا الثنائية القومية غير قابلتين للفصل. 

تأسيساً على هذه الافتراضات، سأعرض سيرورة إعادة التنظيم والتخطيط من جديد للحيز الحضري غير الرسمي في حي العيساوية. الخارطة الهيكلية الجديدة للحي، الموجودة حالياً في مراحل المصادقة القانونية،1خارطة هيكلية رقم 1010790758  لحي العيساوية، المخطط الرئيسي: المهندس المعماري آري كوهن. أنظروا مخطط الخارطة في ارسم رقم 1.  هي نموذج لتغيير الاتجاه في التفكير الإسرائيلي حول الحيز المديني في القدس الشرقية، وهو تغيير الذي ينعكس في منهجية التخطيط المقترَحة للحي وفي عملية التطوير المحتملة المشتقة منها.2التخطيط الحالي سبقته الخارطة رقم 11500، التي تم إعدادها بمبادرة من السكان وبدعم من جمعية بمكوم ـ مخططون من أجل حقوق التخطيط، وأثرت بشكل كبير على التخطيط الحالي. البحث المستفيض في تسلسل هذه الحالة تتجاوز حدود هذه المقالة. ثمة أربعة عناصر تبدو ذات صلة بشكل خاص بتحليل حالة العيساوية باعتبارها ترسي الأسس لتطبيق عملي في مجال التخطيط يقوم على الشراكة المدنية ـ الحضرية: الاعتراف بالواقع القائم كأساس معياريّ لأي تخطيط مستقبلي؛ الاعتراف بالتخطيط كعملية تغيير تدريجي وموجَّه نحو المستقبل؛ أهمية العلاقات المحلية في إنشاء أطر مؤسساتية تعزز العدالة والنزاهة؛ والالتزام الأخلاقي المهني والمعياري الذي يتم استثماره في هذه العملية. 3هذه التصنيفات الأربعة مستمدة من فكرة “القبول كاعتماد متبادل”: Fanie Du Toit, When Political Transitions Work: Reconciliation as Interdependence, New York: Oxford University Press, 2018 

خلافاً للخرائط الهيكلية الأخرى في القدس الشرقية، نقطة الانطلاق في خارطة العيساوية تكرس الاعتراف بالحيز الحضري القائم، الذي يتميز بتطوير غير رسمي على نطاق واسع، كحيّز شرعي ومستدام. وهذا على عكس سنوات من الإهمال وتجاهل التطوير غير الرسمي في أفضل الأحوال، أو ممارسة المحو الفعلي فيه بواسطة هدم البيوت في أسوأ الأحوال. وحتى بعد المصادقة على خرائط البناء في القدس الشرقية، كانت معدّة لهدم المباني القائمة واستبدالها بأخرى حديثة، أكثر “صواباً” أو “ملاءمة”. في مقابل هذه التطبيقات، تعكس الخارطة الهيكلية الجديدة اعترافاً بالواقع القائم كحالة من الاعتماد المتبادل الذي لا يمتلك فيه أي من الطرفين ـ لا السكان الفلسطينيون ولا السلطة الإسرائيلية ـ سيطرة حصرية في ما يتعلق بإنتاج الحيز. ويتجسد هذا الاعتراف في آليات التطوير المقترَحة ضمن المخطط والتي تسمح بتسوية (“تبييض”) النسيج المديني القائم بدلاً من هدمه، كما تتيح إطلاق سيرورة تدريجية لإجراء التغييرات والملاءَمات في إطاره. إضافة إلى ذلك، يشكل الاعتراف بالملكية الفلسطينية على الأرض جزءاً من سيرورات التطوير، إذ أن آلية التطوير المقترَحة في المخطط تستند إلى معرفة محلية وموافَقات مجتمعية بشأن الملكية على الأرض، بدلاً من معايير قضائية إسرائيلية. وعلى الرغم من أن هذه الفوارق قد تبدو هامشية مقارنة بحجم المشاكل، إلا أنها تمثل تصوراً جديداً للحيز في القدس الشرقية. هذا التصور يعتبر سيرورات التحضّر الناشئة من القاعدة سيرورات تمدين جديرة وعلى درجة من الأهمية، وليس تعبيراً عن انتهاك للقانون يستحق المحو.4Ananya Roy, “Slumdog Cities: Rethinking Subaltern Urbanism,” International Journal of Urban and Regional Research 35, 2 (2011) pp. 223–238 بل هي تفتح الباب أمام إعادة تحديد شروط التجنُّس المديني بحيث تكون مبنية على علاقات الشراكة في الحيز المديني وليس على السيطرة من جانب واحد. 

لكن من الواضح أنه إلى جانب الاعتراف بالحيز المديني غير الرسمي باعتباره ضرورة يفرضها الوقع، ينبغي التقدم أيضاً نحو فهم حقيقة أن سيرورات إنتاج الحيز تنطوي، بالنسبة لسكان الحي، على قِيم معيارية يجب الاعتزاز بها وشملها في عمليات التخطيط. هذا الاعتراف والاعتزاز يتجسدان في آليات التطوير الحديثة التي يقترحها المخطط والتي يكمن فيها المصدر الأساس لأصالتها. تقوم هذه الآليات على مشاركة السكان في عمليات التخطيط وتقاسم السلطة فيما بينهم وبين المؤسسة البلدية. 

وهي تعكس تحويل فكرة التخطيط المتشدد والثابت مسبقاً بآلية مرنة، من خلال سماحها لمجموعات صغيرة من أصحاب الأراضي بتخطيط جماعي للحيز الفوري الخاص بهم، إلى جانب اختيار تسوية ما هو قائم، تكثيفه، هدمه أو إعادة بنائه، أو أي مزيج من الخيارات. من شأن هذه المرونة أن تمنح السكان استقلالاً ذاتياً في تصميم حيز حياتهم وأن تجعلهم لاعبين نشطين في سيرورات التطوير المديني. تطبيق آلية التطوير المرنة هذه يتطلب، على الأرجح، تنظيم أطر محلية للإدارة الذاتية: تنظيم مجتمعي داخلي هدفه بلورة توافقات بين الناس أنفسهم؛ وتنظيم لغرض التوسط والوصل بين السكان والسلطة المحلية. هذه التنظيمات، إذا ما نجحت في ترسيخ نفسها وإضفاء الطابع المؤسساتي على نفسها وأدائها، فستتيح إمكانية التعاون المهني والمدني وتنمية علاقات الثقة التي من شأنها، بدورها، إرساء جزء من الأسس اللازمة لبناء شراكة مدينية واسعة في إطار ترتيبات مستقبلية لتقاسم السلطة. 

من الواضح بالطبع أن هذه البدايات المتواضعة ليست كافية. ثمة حاجة إلى توظيف موارد كبيرة لتقليص الفجوات في مستوى التطوير والخدمات بين شرقي المدينة وغربها وفي تصحيح الغبن المتراكم من الماضي. وثمة لمركّب الأرض دور حاسم في هذا التصحيح. في حالة العيساوية، هنالك مساحات كبيرة من الأراضي الموجودة ما وراء حدود التطوير التي يشملها المخطط، بل وخارج الحدود البلدية أيضاً. هذه المناطق تم تقليصها بصورة كبيرة جداً بغية إنشاء مستوطنات وتطوير البنى التحتية لها، من جهة، وجرّاء التقييدات المشددة التي فرضتها إسرائيل على أي تطوير فلسطيني، وهي التقييدات التي أدت إلى ازدياد كبير في البناء غير الرسمي منذ البداية، من جهة ثانية. ولذلك، فإن توسيع حدود التطوير في العيساوية، الاعتراف الكامل بملكية السكان على الأراضي، وإعادة فتح المساحات التابعة لسكانها لكي يعودوا إلى استخدامها من جديد ـ هذه كلها هي إجراءات مكمِّلة وإلزامية لأية عملية تفكيك وإنهاء استعمار الحيز. وينبغي لهذه الإجراءات أن ترافق أية محاولة لمأسسة التخطيط المبني على الشراكة. 

ختاماً، يشير تحليل الخارطة الهيكلية الجديدة للعيساوية إلى تغيرين اثنين هامّين في أسلوب التفكير بالحيز المديني في القدس الشرقية، واللذين قد يشكلان بداية لتعزيز التخطيط القائم على شراكة مدينية: الانتقال من إملاء أهداف تخطيطية نهائية ومتصلبة، تقوم على محو ما هو موجود، إلى تخيّل حيز من إمكانيات التطوير والتغيير المبنية على الاعتراف بما هو موجود؛ والانتقال من اتخاذ قرارات أحادية الجانب يتم فرضها من الأعلى إلى الدمج بين عمليات التخطيط داخل المجتمع والتعاون بين المجتمع والسلطة البلدية. ومع ذلك، فإن الالتزام المعياري بالعدالة والإنصاف والسعي الدائم إلى تفكيك موازين القوة غير المتكافئة ـ هي عناصر ضرورية وإلزامية لكي تؤدي هذه العمليات إلى بناء شراكة حقيقية. تكمن فرادة مهنة التخطيط الحضري في حالتنا في مدى التزامه الأخلاقي برفع مستوى حياة سكان المدينة ورفاهيتهم، أياً كانت هويتهم. وينطوي ها الالتزام على قدرة كامنة لأن يشكل حافزاً ومسرِّعاً لسيرورات عميقة وواسعة في مجال بناء الشراكة في مجالات إضافية أخرى، تقوم على الاعتراف بالاعتماد المتبادل كما يظهر في الحيز المديني في القدس ومنه. 

  • 1
    خارطة هيكلية رقم 1010790758  لحي العيساوية، المخطط الرئيسي: المهندس المعماري آري كوهن. أنظروا مخطط الخارطة في ارسم رقم 1. 
  • 2
    التخطيط الحالي سبقته الخارطة رقم 11500، التي تم إعدادها بمبادرة من السكان وبدعم من جمعية بمكوم ـ مخططون من أجل حقوق التخطيط، وأثرت بشكل كبير على التخطيط الحالي. البحث المستفيض في تسلسل هذه الحالة تتجاوز حدود هذه المقالة.
  • 3
    هذه التصنيفات الأربعة مستمدة من فكرة “القبول كاعتماد متبادل”: Fanie Du Toit, When Political Transitions Work: Reconciliation as Interdependence, New York: Oxford University Press, 2018 
  • 4
    Ananya Roy, “Slumdog Cities: Rethinking Subaltern Urbanism,” International Journal of Urban and Regional Research 35, 2 (2011) pp. 223–238
ميخال براير

מִנְבַּר

هدفي من هذه المقالة هو التفكير بأفكار حول المصالحة المبنية على شراكة مدنية “من القاعدة”، من قلب الحيز المديني/ الحضري الحقيقي في القدس الشرقية. التمعن في سيرورات التخطيط الحالية في المدينة، والتي تصف الحيز القائم وتعمل على تخيل مستقبله/ مستقبَلاته الممكن/ة في الوقت ذاته، يجعل من الممكن تحديد لحظات التغيير. وعلى أساسها، سوف أرسم خطوط العمل الأولية لتعزيز الشراكة المدنية ـ الحضرية في الحيز المقدسي، وهي عملية تشمل أيضاً إنهاء الاستعمار في تطبيق التخطيط الحضري. هذا التمحور ينقل مركز ثقل النقاش حول القدس من أبعادها السامية إلى أبعادها الأرضية، سعياً إلى إتاحة العيش اللائق والتعبير المحترم لكلا المجتمعين اللذين يعيشان في المدينة والإقرار بوضعية الاعتماد المتبادل القائمة بينهما، فعلياً. 

تفترض مناقشتي حول القدس أن المدينة ستبقى مفتوحة وستواصل العيش كوحدة حضرية واحدة، في إطار أي تسوية سياسية ترتكز على العدل والمساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن، خلافاً للوضع القائم اليوم، حيث يعيش نحو أربعين بالمائة من سكان المدينة بدون مكانة مدنية كاملة ويخضعون لنظام تمييز، إقصاء، إهمال وتهميش مستمر، ستُطبق في إطارها ترتيبات للشراكة في السلطة استناداً إلى آليات التمثيل وتوزيع القوة بصورة متساوية. ولأنه ليست هنالك، من وجهة نظري، أية إمكانية نظرية أو عملية لاقتراح تقسيم الحيز المديني بصورة عادلة من دون إلحاق ضرر قاتل بنسيج الحياة اليومية وبالتقاليد الوطنية لدى كلا المجتمعين، فإنه ينبغي فهم القدس ليس كاستثناء لتسوية جيوسياسية محتملة ومرغوب فيها في إسرائيل/ فلسطين، وإنما كمحكّ واختبار لأية تسوية مستقبلية. بكلمات أخرى، يبقى التحليل المُقترَح هنا والعَرض التحويلي المشتق منه نافذين وقابلين للتطبيق في كامل الحيز المتنازَع عليه، والذي تغدو فيه الجغرافيا الخلافية والديمغرافيا الثنائية القومية غير قابلتين للفصل. 

تأسيساً على هذه الافتراضات، سأعرض سيرورة إعادة التنظيم والتخطيط من جديد للحيز الحضري غير الرسمي في حي العيساوية. الخارطة الهيكلية الجديدة للحي، الموجودة حالياً في مراحل المصادقة القانونية،1خارطة هيكلية رقم 1010790758  لحي العيساوية، المخطط الرئيسي: المهندس المعماري آري كوهن. أنظروا مخطط الخارطة في ارسم رقم 1.  هي نموذج لتغيير الاتجاه في التفكير الإسرائيلي حول الحيز المديني في القدس الشرقية، وهو تغيير الذي ينعكس في منهجية التخطيط المقترَحة للحي وفي عملية التطوير المحتملة المشتقة منها.2التخطيط الحالي سبقته الخارطة رقم 11500، التي تم إعدادها بمبادرة من السكان وبدعم من جمعية بمكوم ـ مخططون من أجل حقوق التخطيط، وأثرت بشكل كبير على التخطيط الحالي. البحث المستفيض في تسلسل هذه الحالة تتجاوز حدود هذه المقالة. ثمة أربعة عناصر تبدو ذات صلة بشكل خاص بتحليل حالة العيساوية باعتبارها ترسي الأسس لتطبيق عملي في مجال التخطيط يقوم على الشراكة المدنية ـ الحضرية: الاعتراف بالواقع القائم كأساس معياريّ لأي تخطيط مستقبلي؛ الاعتراف بالتخطيط كعملية تغيير تدريجي وموجَّه نحو المستقبل؛ أهمية العلاقات المحلية في إنشاء أطر مؤسساتية تعزز العدالة والنزاهة؛ والالتزام الأخلاقي المهني والمعياري الذي يتم استثماره في هذه العملية. 3هذه التصنيفات الأربعة مستمدة من فكرة “القبول كاعتماد متبادل”: Fanie Du Toit, When Political Transitions Work: Reconciliation as Interdependence, New York: Oxford University Press, 2018 

خلافاً للخرائط الهيكلية الأخرى في القدس الشرقية، نقطة الانطلاق في خارطة العيساوية تكرس الاعتراف بالحيز الحضري القائم، الذي يتميز بتطوير غير رسمي على نطاق واسع، كحيّز شرعي ومستدام. وهذا على عكس سنوات من الإهمال وتجاهل التطوير غير الرسمي في أفضل الأحوال، أو ممارسة المحو الفعلي فيه بواسطة هدم البيوت في أسوأ الأحوال. وحتى بعد المصادقة على خرائط البناء في القدس الشرقية، كانت معدّة لهدم المباني القائمة واستبدالها بأخرى حديثة، أكثر “صواباً” أو “ملاءمة”. في مقابل هذه التطبيقات، تعكس الخارطة الهيكلية الجديدة اعترافاً بالواقع القائم كحالة من الاعتماد المتبادل الذي لا يمتلك فيه أي من الطرفين ـ لا السكان الفلسطينيون ولا السلطة الإسرائيلية ـ سيطرة حصرية في ما يتعلق بإنتاج الحيز. ويتجسد هذا الاعتراف في آليات التطوير المقترَحة ضمن المخطط والتي تسمح بتسوية (“تبييض”) النسيج المديني القائم بدلاً من هدمه، كما تتيح إطلاق سيرورة تدريجية لإجراء التغييرات والملاءَمات في إطاره. إضافة إلى ذلك، يشكل الاعتراف بالملكية الفلسطينية على الأرض جزءاً من سيرورات التطوير، إذ أن آلية التطوير المقترَحة في المخطط تستند إلى معرفة محلية وموافَقات مجتمعية بشأن الملكية على الأرض، بدلاً من معايير قضائية إسرائيلية. وعلى الرغم من أن هذه الفوارق قد تبدو هامشية مقارنة بحجم المشاكل، إلا أنها تمثل تصوراً جديداً للحيز في القدس الشرقية. هذا التصور يعتبر سيرورات التحضّر الناشئة من القاعدة سيرورات تمدين جديرة وعلى درجة من الأهمية، وليس تعبيراً عن انتهاك للقانون يستحق المحو.4Ananya Roy, “Slumdog Cities: Rethinking Subaltern Urbanism,” International Journal of Urban and Regional Research 35, 2 (2011) pp. 223–238 بل هي تفتح الباب أمام إعادة تحديد شروط التجنُّس المديني بحيث تكون مبنية على علاقات الشراكة في الحيز المديني وليس على السيطرة من جانب واحد. 

لكن من الواضح أنه إلى جانب الاعتراف بالحيز المديني غير الرسمي باعتباره ضرورة يفرضها الوقع، ينبغي التقدم أيضاً نحو فهم حقيقة أن سيرورات إنتاج الحيز تنطوي، بالنسبة لسكان الحي، على قِيم معيارية يجب الاعتزاز بها وشملها في عمليات التخطيط. هذا الاعتراف والاعتزاز يتجسدان في آليات التطوير الحديثة التي يقترحها المخطط والتي يكمن فيها المصدر الأساس لأصالتها. تقوم هذه الآليات على مشاركة السكان في عمليات التخطيط وتقاسم السلطة فيما بينهم وبين المؤسسة البلدية. 

وهي تعكس تحويل فكرة التخطيط المتشدد والثابت مسبقاً بآلية مرنة، من خلال سماحها لمجموعات صغيرة من أصحاب الأراضي بتخطيط جماعي للحيز الفوري الخاص بهم، إلى جانب اختيار تسوية ما هو قائم، تكثيفه، هدمه أو إعادة بنائه، أو أي مزيج من الخيارات. من شأن هذه المرونة أن تمنح السكان استقلالاً ذاتياً في تصميم حيز حياتهم وأن تجعلهم لاعبين نشطين في سيرورات التطوير المديني. تطبيق آلية التطوير المرنة هذه يتطلب، على الأرجح، تنظيم أطر محلية للإدارة الذاتية: تنظيم مجتمعي داخلي هدفه بلورة توافقات بين الناس أنفسهم؛ وتنظيم لغرض التوسط والوصل بين السكان والسلطة المحلية. هذه التنظيمات، إذا ما نجحت في ترسيخ نفسها وإضفاء الطابع المؤسساتي على نفسها وأدائها، فستتيح إمكانية التعاون المهني والمدني وتنمية علاقات الثقة التي من شأنها، بدورها، إرساء جزء من الأسس اللازمة لبناء شراكة مدينية واسعة في إطار ترتيبات مستقبلية لتقاسم السلطة. 

من الواضح بالطبع أن هذه البدايات المتواضعة ليست كافية. ثمة حاجة إلى توظيف موارد كبيرة لتقليص الفجوات في مستوى التطوير والخدمات بين شرقي المدينة وغربها وفي تصحيح الغبن المتراكم من الماضي. وثمة لمركّب الأرض دور حاسم في هذا التصحيح. في حالة العيساوية، هنالك مساحات كبيرة من الأراضي الموجودة ما وراء حدود التطوير التي يشملها المخطط، بل وخارج الحدود البلدية أيضاً. هذه المناطق تم تقليصها بصورة كبيرة جداً بغية إنشاء مستوطنات وتطوير البنى التحتية لها، من جهة، وجرّاء التقييدات المشددة التي فرضتها إسرائيل على أي تطوير فلسطيني، وهي التقييدات التي أدت إلى ازدياد كبير في البناء غير الرسمي منذ البداية، من جهة ثانية. ولذلك، فإن توسيع حدود التطوير في العيساوية، الاعتراف الكامل بملكية السكان على الأراضي، وإعادة فتح المساحات التابعة لسكانها لكي يعودوا إلى استخدامها من جديد ـ هذه كلها هي إجراءات مكمِّلة وإلزامية لأية عملية تفكيك وإنهاء استعمار الحيز. وينبغي لهذه الإجراءات أن ترافق أية محاولة لمأسسة التخطيط المبني على الشراكة. 

ختاماً، يشير تحليل الخارطة الهيكلية الجديدة للعيساوية إلى تغيرين اثنين هامّين في أسلوب التفكير بالحيز المديني في القدس الشرقية، واللذين قد يشكلان بداية لتعزيز التخطيط القائم على شراكة مدينية: الانتقال من إملاء أهداف تخطيطية نهائية ومتصلبة، تقوم على محو ما هو موجود، إلى تخيّل حيز من إمكانيات التطوير والتغيير المبنية على الاعتراف بما هو موجود؛ والانتقال من اتخاذ قرارات أحادية الجانب يتم فرضها من الأعلى إلى الدمج بين عمليات التخطيط داخل المجتمع والتعاون بين المجتمع والسلطة البلدية. ومع ذلك، فإن الالتزام المعياري بالعدالة والإنصاف والسعي الدائم إلى تفكيك موازين القوة غير المتكافئة ـ هي عناصر ضرورية وإلزامية لكي تؤدي هذه العمليات إلى بناء شراكة حقيقية. تكمن فرادة مهنة التخطيط الحضري في حالتنا في مدى التزامه الأخلاقي برفع مستوى حياة سكان المدينة ورفاهيتهم، أياً كانت هويتهم. وينطوي ها الالتزام على قدرة كامنة لأن يشكل حافزاً ومسرِّعاً لسيرورات عميقة وواسعة في مجال بناء الشراكة في مجالات إضافية أخرى، تقوم على الاعتراف بالاعتماد المتبادل كما يظهر في الحيز المديني في القدس ومنه. 

  • 1
    خارطة هيكلية رقم 1010790758  لحي العيساوية، المخطط الرئيسي: المهندس المعماري آري كوهن. أنظروا مخطط الخارطة في ارسم رقم 1. 
  • 2
    التخطيط الحالي سبقته الخارطة رقم 11500، التي تم إعدادها بمبادرة من السكان وبدعم من جمعية بمكوم ـ مخططون من أجل حقوق التخطيط، وأثرت بشكل كبير على التخطيط الحالي. البحث المستفيض في تسلسل هذه الحالة تتجاوز حدود هذه المقالة.
  • 3
    هذه التصنيفات الأربعة مستمدة من فكرة “القبول كاعتماد متبادل”: Fanie Du Toit, When Political Transitions Work: Reconciliation as Interdependence, New York: Oxford University Press, 2018 
  • 4
    Ananya Roy, “Slumdog Cities: Rethinking Subaltern Urbanism,” International Journal of Urban and Regional Research 35, 2 (2011) pp. 223–238
Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות