צילום: Gitlits Tatyana, מתוך ויקימדיה
Below are share buttons

عدالة ما قبل انتقالية؟ تعاون ينمو من الميدان في إسرائيل ـ فلسطين

عدد 10,

تُعرَّف العدالة الانتقالية (transitional justice) في الأدبيات القانونية بأنها العدالة التي تتيح الانتقال من نظام الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان، بما يترتب عليه من غبن ومظالم قاسية، إلى نظام الديمقراطية والمصالحة. وعليه، ترتبط العدالة الانتقالية، إذاً، بفترات يحصل خلالها تغيير سياسي عميق ويجري بحثها، عادة، باعتبارها سيرورة قانونية متعلقة بعناصر دولتية وتحدث بدلاً من، أو بالتوازي مع، إجراءات تجري في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. هذه التحولات السياسية غالباً ما يجري تعزيزها بواسطة “محاكمات، لجان تحقيق، تعويضات، اعتذارات رسمية، تعديل كتب التاريخ، أيام الذكرى، إقامة منشآت لتخليد الذكرى ومتاحف وما إلى ذلك”.1John Torpey, Politics and the Past: On Repairing Historical Injustices, Lanham: Rownan and Littlefield, 2003 

العدالة الانتقالية وإسرائيل ـ فلسطين؟ 

يولّد العنف المتواصل في النزاعات طويلة الأمد لدى كل واحد من الأطراف المتنازعة صدمة هائلة في أربعة مجالات: الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والنفسي. وبسبب الأثر الواسع الناجم عن الألم والفوضى، من المتبع القول إن سيرورة العدالة الانتقالية من الممكن أن تبدأ فقط بعد قطع دابر العنف ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان. وعليه يبدو، من وجهة النظر المتقيّدة بالحَرفيّة القانونية، أن محاولة تسوية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لا يمكن أن تجني أية فائدة من سيرورات العدالة لانتقالية بمفهومها السائد.  

مع ذلك، الأدبيات البحثية التي كُتبت خلال السنوات الأخيرة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية توسع دلالات وأهداف العدالة الانتقالية والمسارات التي يمكن لسيروراتها أن تتقدم عبرها. ويعرّف كمينسكي وآخرون العدالة الانتقالية بأنها أية سيرورة جماعية تسعى إلى تعزيز الحقيقة، العدالة أو المصالحة.2Marek Kaminski et al., “Normative and Strategic Aspects of Transitional Justice,” Journal of Conflict Resolution 50, 3 (2006), pp. 295–302 تنظر هذه الرؤية الأكاديمية إلى العدالة الانتقالية باعتبارها سيرورة إنسانية غير خطّيّة تتطلع إلى الاعتراف بالضحايا وتعزيز فرص السلام، المصالحة والديمقراطية. وعليه، يدرس الباحثون الطريقة التي يُطلَب من المجتمع المدني والحركات الاجتماعية الانتقال من خلالها “إلى ما يتجاوز حدود الفترات الانتقالية المحددة سلفاً أو الآليات القانونية المحددة”.3Kieran Mcevoy, “Beyond Legalism: Towards a Thicker Understanding of Transitional Justice,” in Ruth Jamieson (ed.), The Criminology of War, New York: Routledge, 2017, p. 520 وتتحدى التوجهات النقدية في الأبحاث الأكاديمية صحة التدابير المحددة سلفاً، كما تستأنف ضد التفكير بمنطق النماذج الصحيحة وغير الصحيحة في توجيه سيرورة العدالة الانتقالية. تدّعي هذه الأبحاث بأنه في الإمكان، أيضاً، تعزيز العدالة الانتقالية والمصالحة من خلال مبادرات تنشأ من القاعدة أو مبادرات يقودها الضحايا، وأحياناً حتى قبل بدء سيرورات العدالة الانتقالية الرسمية.

العدالة الانتقالية والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني 

في العام 2020 أجريتُ، بالتعاون مع طالب فلسطيني ضمن دراسته للقب الثاني بتوجيه مني، استطلاعاً عبر الانترنت طلبنا فيه من إسرائيليين وفلسطينيين تقييم مدى ملاءمة وأهمية سيرورات العدالة الانتقالية في سياق الصراع المحلي. وقد عملنا على مرحلتين: في البداية، علّمنا المشاركين، الإسرائيليين والفلسطينيين، عن العدالة الانتقالية ومراحلها المختلفة؛ ثم طلبنا منهم تقييم مدى ملاءمة وأهمية كل واحدة من المراحل والترتيب الذي ينبغي لهذه المراحل أن تحدث وفقه، بحسب آرائهم، من أجل تحقيق الشفاء والتقدم نحو المصالحة.

أظهرت الدفعة الأولى من النتائج الكمية توافقات رائدة. أولاً، اتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على إجراءات أن العدالة الانتقالية قد تكون مفيدة في تعميق المشاركة الفاعلة من جانب الطرفين، سواء كانت المفاوضات الرسمية واردة في الحسبان أم لا. ثانياً، تم الاتفاق على أن الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها هي إجراء محاكمات عادلة للمجرمين. من وجهة نظر نقدية، ترمز النتائج إلى وجود صعوبة ما نظراً لأن المشاركين في الاستطلاع غير متفقين فيما بينهم على هوية المجرمين. وتكشف النتائج النوعية عن الحاجة إلى اتخاذ إجراءين قضائيين منفصلين، لكن متزامنين. من وجهة النظر الفلسطينية، يجب على إسرائيل محاكمة جنود وضباط الجيش وصنّاع القرارات السياسية، حتى بعد مماتهم، بجريرة ما حصل خلال النكبة في العامين 1948- 1949. ويعتقد الفلسطينيون بأن إسرائيل قد نفّذت في تلك الفترة تطهيراً عرقياً ومجازر جماعية. من وجهة النظر الإسرائيلية، يجب على السلطة الفلسطينية أو أي رئيس جولة مستقبليّ استنكار الإرهاب بصورة رسمية ومحاكمة الأشخاص الذين كانوا ضالعين في تنفيذ أعمال إرهابية ضد إسرائيليين منذ العام 1948. وتبيّن استطلاعاتنا أن الإسرائيليين والفلسطينيين مختلفون فيما بينهم بشأن ترتيب المراحل التالية للخطوة الأولى. وتدعم نتائجنا ما خلصت إليه أبحاث سابقة أظهرت أن إجراءات العدالة الانتقالية في حالات مختلفة، حتى حين تكون أكثر تعقيداً من خطوات متشابهة، “قد تتطور بطرق مختلفة من حيث تسلسلها الزمني”.4Alexandra Herfroy-Mischler, “Post-Transitional Apology: Expressing Contrition whilst Addressing the Holocaust Transitional Justice’s Failure,” in Daniel Cuypers et al. (eds.), Public Apology: Between Ritual and Regret, Amsterdam: Rodopi, 2013, pp. 167–188; idem, “When the Past Seeps into the Present: The Role of Press Agencies in Circulating New Historical Narratives and Restructuring Collective Memory during and after Holocaust Transitional Justice,” Journalism: Theory, Practice and Criticism 17, 7 (2016), pp. 823–844 لكن الأدبيات التي تعالج مسألة العدالة الانتقالية لا تقدم اليوم أدوات عملية يمكن التوصل بواسطتها إلى قرار رسمي من جانب طرفيّ الصراع بشأن عقد مثل هذه المحاكمات. هل نحن عالقون؟ ليس تماماً، وسأعرض للأسباب أدناه.   

هل العدالة ما قبل الانتقالية تتحقق هنا فعلياً؟

 وفقاً لكابشوك وسترومبوم، فإن الفاعلية التي تتركز في العدالة ما قبل الانتقالية “تعزز الانتقال من ثقافة الإنكار والحصانة إلى ثقافة الاعتراف وتحمل المسؤولية”.5Yoav Kapshuk and Lisa Strömbom, “Israeli Pre-transitional Justice and the Nakba Law,” Israel Law Review 54, 3 (2021), pp. 305–323 وفي كل ما يتصل بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني الممتد لسنوات عديدة، فقد أجريت في السابق أبحاث درست مبادرات من جانب واحد وغير قانونية تبلورت ميدانياً في الجانب الإسرائيلي. كانت تلك مبادرات ترمي إلى جمع المعطيات وقول الحقيقة، ومن بينها “ذاكرات” (زوخروت)، “لنكسر الصمت” و”مقاتلون من أجل السلام”. أما المبادرات الثنائية التعاونية القائمة على “فرضية الاتصال” (contact hypothesis) فتدرس مدى تأثير اللقاءات المنظمة الفاعلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال المسرح أو ورشات المصالحة على سبيل المثال. مبادرات أخرى، مثل “منتدى العائلات الثكلى”، تقترح تخليد الذكرى بصورة أخرى بديلة، ليس تحت رعاية الدولة، للقتلى من كلا جانبي المتراس. هذه أمثلة عن الفاعلية ما قبل الانتقالية التي تؤثر، بصورة غير واعية أحياناً، في صالح العدالة الانتقالية. وهي تزودنا بوعي متيقظ لواقع أن ثمة مبادرات قائمة ومن شأنها أن تقود إلى العدالة الانتقالية في المستقبل. 

هذه الأنماط من العدالة ما قبل الانتقالية آخذة في الانتشار، لكنها لا تحظى بالدراسة الكافية. من الجدير، أيضاً، معالجة مسألة مكانة النساء ـ “نساء يصنعن السلام”، “نساء الشمس الفلسطينيات”، وبوجه خاص مكانة النساء المتدينات ـ الحاخامية ليئا شكديئيل في “عوز فِشالوم” (عز وسلام، حركة السلام الدينية)، الحاخامية هداسا فرومان في “شورَشيم” (جذور)، الحاخامية تمار إلعاد ـ إفلباوم في معهد شالوم هرطمان. كما يتعين أيضاً دراسة عمليات المصالحة المرتكزة على الفنون ـ “في البيت” (FeelBeit)، “همفعال” في القدس؛ وفي مبادرات متعددة الديانات مثل “مكوديشت”، “معهد إليا”، “موزايكا”، المدرسة اليهودية ـ الإسلامية “شورَشيم ـ جذور” ومعهد “بليكلا، للحوار بين الأديان”. وسواء كان الأمر يحظى باستحسان السياسة الرسمية في كلا الجانبين أم لا، فإن بعض الإسرائيليين والفلسطينيين قد أصبحوا يعيشون اليوم في واقع العدالة ما قبل الانتقالية. هؤلاء على استعداد لسماع حقيقة الطرف الآخر، للدعوة إلى العدالة فيما يتعلق بالانتهاكات التاريخية لحقوق الإنسان، ولمعالجة ألم الآخر بصورة فاعلة، بواسطة المصالحة. لقد قرر هؤلاء، منذ زمن، الكف عن الندب والحداد على فشل محادثات السلام الرسمية والتقدم نحو المصالحة، رغم كل الصعاب.  

  • 1
    John Torpey, Politics and the Past: On Repairing Historical Injustices, Lanham: Rownan and Littlefield, 2003
  • 2
    Marek Kaminski et al., “Normative and Strategic Aspects of Transitional Justice,” Journal of Conflict Resolution 50, 3 (2006), pp. 295–302
  • 3
    Kieran Mcevoy, “Beyond Legalism: Towards a Thicker Understanding of Transitional Justice,” in Ruth Jamieson (ed.), The Criminology of War, New York: Routledge, 2017, p. 520
  • 4
    Alexandra Herfroy-Mischler, “Post-Transitional Apology: Expressing Contrition whilst Addressing the Holocaust Transitional Justice’s Failure,” in Daniel Cuypers et al. (eds.), Public Apology: Between Ritual and Regret, Amsterdam: Rodopi, 2013, pp. 167–188; idem, “When the Past Seeps into the Present: The Role of Press Agencies in Circulating New Historical Narratives and Restructuring Collective Memory during and after Holocaust Transitional Justice,” Journalism: Theory, Practice and Criticism 17, 7 (2016), pp. 823–844
  • 5
    Yoav Kapshuk and Lisa Strömbom, “Israeli Pre-transitional Justice and the Nakba Law,” Israel Law Review 54, 3 (2021), pp. 305–323
ألكسندرا هَرفروي ـ ميشلر

מִנְבַּר

تُعرَّف العدالة الانتقالية (transitional justice) في الأدبيات القانونية بأنها العدالة التي تتيح الانتقال من نظام الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان، بما يترتب عليه من غبن ومظالم قاسية، إلى نظام الديمقراطية والمصالحة. وعليه، ترتبط العدالة الانتقالية، إذاً، بفترات يحصل خلالها تغيير سياسي عميق ويجري بحثها، عادة، باعتبارها سيرورة قانونية متعلقة بعناصر دولتية وتحدث بدلاً من، أو بالتوازي مع، إجراءات تجري في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. هذه التحولات السياسية غالباً ما يجري تعزيزها بواسطة “محاكمات، لجان تحقيق، تعويضات، اعتذارات رسمية، تعديل كتب التاريخ، أيام الذكرى، إقامة منشآت لتخليد الذكرى ومتاحف وما إلى ذلك”.1John Torpey, Politics and the Past: On Repairing Historical Injustices, Lanham: Rownan and Littlefield, 2003 

العدالة الانتقالية وإسرائيل ـ فلسطين؟ 

يولّد العنف المتواصل في النزاعات طويلة الأمد لدى كل واحد من الأطراف المتنازعة صدمة هائلة في أربعة مجالات: الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والنفسي. وبسبب الأثر الواسع الناجم عن الألم والفوضى، من المتبع القول إن سيرورة العدالة الانتقالية من الممكن أن تبدأ فقط بعد قطع دابر العنف ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان. وعليه يبدو، من وجهة النظر المتقيّدة بالحَرفيّة القانونية، أن محاولة تسوية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لا يمكن أن تجني أية فائدة من سيرورات العدالة لانتقالية بمفهومها السائد.  

مع ذلك، الأدبيات البحثية التي كُتبت خلال السنوات الأخيرة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية توسع دلالات وأهداف العدالة الانتقالية والمسارات التي يمكن لسيروراتها أن تتقدم عبرها. ويعرّف كمينسكي وآخرون العدالة الانتقالية بأنها أية سيرورة جماعية تسعى إلى تعزيز الحقيقة، العدالة أو المصالحة.2Marek Kaminski et al., “Normative and Strategic Aspects of Transitional Justice,” Journal of Conflict Resolution 50, 3 (2006), pp. 295–302 تنظر هذه الرؤية الأكاديمية إلى العدالة الانتقالية باعتبارها سيرورة إنسانية غير خطّيّة تتطلع إلى الاعتراف بالضحايا وتعزيز فرص السلام، المصالحة والديمقراطية. وعليه، يدرس الباحثون الطريقة التي يُطلَب من المجتمع المدني والحركات الاجتماعية الانتقال من خلالها “إلى ما يتجاوز حدود الفترات الانتقالية المحددة سلفاً أو الآليات القانونية المحددة”.3Kieran Mcevoy, “Beyond Legalism: Towards a Thicker Understanding of Transitional Justice,” in Ruth Jamieson (ed.), The Criminology of War, New York: Routledge, 2017, p. 520 وتتحدى التوجهات النقدية في الأبحاث الأكاديمية صحة التدابير المحددة سلفاً، كما تستأنف ضد التفكير بمنطق النماذج الصحيحة وغير الصحيحة في توجيه سيرورة العدالة الانتقالية. تدّعي هذه الأبحاث بأنه في الإمكان، أيضاً، تعزيز العدالة الانتقالية والمصالحة من خلال مبادرات تنشأ من القاعدة أو مبادرات يقودها الضحايا، وأحياناً حتى قبل بدء سيرورات العدالة الانتقالية الرسمية.

العدالة الانتقالية والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني 

في العام 2020 أجريتُ، بالتعاون مع طالب فلسطيني ضمن دراسته للقب الثاني بتوجيه مني، استطلاعاً عبر الانترنت طلبنا فيه من إسرائيليين وفلسطينيين تقييم مدى ملاءمة وأهمية سيرورات العدالة الانتقالية في سياق الصراع المحلي. وقد عملنا على مرحلتين: في البداية، علّمنا المشاركين، الإسرائيليين والفلسطينيين، عن العدالة الانتقالية ومراحلها المختلفة؛ ثم طلبنا منهم تقييم مدى ملاءمة وأهمية كل واحدة من المراحل والترتيب الذي ينبغي لهذه المراحل أن تحدث وفقه، بحسب آرائهم، من أجل تحقيق الشفاء والتقدم نحو المصالحة.

أظهرت الدفعة الأولى من النتائج الكمية توافقات رائدة. أولاً، اتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على إجراءات أن العدالة الانتقالية قد تكون مفيدة في تعميق المشاركة الفاعلة من جانب الطرفين، سواء كانت المفاوضات الرسمية واردة في الحسبان أم لا. ثانياً، تم الاتفاق على أن الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها هي إجراء محاكمات عادلة للمجرمين. من وجهة نظر نقدية، ترمز النتائج إلى وجود صعوبة ما نظراً لأن المشاركين في الاستطلاع غير متفقين فيما بينهم على هوية المجرمين. وتكشف النتائج النوعية عن الحاجة إلى اتخاذ إجراءين قضائيين منفصلين، لكن متزامنين. من وجهة النظر الفلسطينية، يجب على إسرائيل محاكمة جنود وضباط الجيش وصنّاع القرارات السياسية، حتى بعد مماتهم، بجريرة ما حصل خلال النكبة في العامين 1948- 1949. ويعتقد الفلسطينيون بأن إسرائيل قد نفّذت في تلك الفترة تطهيراً عرقياً ومجازر جماعية. من وجهة النظر الإسرائيلية، يجب على السلطة الفلسطينية أو أي رئيس جولة مستقبليّ استنكار الإرهاب بصورة رسمية ومحاكمة الأشخاص الذين كانوا ضالعين في تنفيذ أعمال إرهابية ضد إسرائيليين منذ العام 1948. وتبيّن استطلاعاتنا أن الإسرائيليين والفلسطينيين مختلفون فيما بينهم بشأن ترتيب المراحل التالية للخطوة الأولى. وتدعم نتائجنا ما خلصت إليه أبحاث سابقة أظهرت أن إجراءات العدالة الانتقالية في حالات مختلفة، حتى حين تكون أكثر تعقيداً من خطوات متشابهة، “قد تتطور بطرق مختلفة من حيث تسلسلها الزمني”.4Alexandra Herfroy-Mischler, “Post-Transitional Apology: Expressing Contrition whilst Addressing the Holocaust Transitional Justice’s Failure,” in Daniel Cuypers et al. (eds.), Public Apology: Between Ritual and Regret, Amsterdam: Rodopi, 2013, pp. 167–188; idem, “When the Past Seeps into the Present: The Role of Press Agencies in Circulating New Historical Narratives and Restructuring Collective Memory during and after Holocaust Transitional Justice,” Journalism: Theory, Practice and Criticism 17, 7 (2016), pp. 823–844 لكن الأدبيات التي تعالج مسألة العدالة الانتقالية لا تقدم اليوم أدوات عملية يمكن التوصل بواسطتها إلى قرار رسمي من جانب طرفيّ الصراع بشأن عقد مثل هذه المحاكمات. هل نحن عالقون؟ ليس تماماً، وسأعرض للأسباب أدناه.   

هل العدالة ما قبل الانتقالية تتحقق هنا فعلياً؟

 وفقاً لكابشوك وسترومبوم، فإن الفاعلية التي تتركز في العدالة ما قبل الانتقالية “تعزز الانتقال من ثقافة الإنكار والحصانة إلى ثقافة الاعتراف وتحمل المسؤولية”.5Yoav Kapshuk and Lisa Strömbom, “Israeli Pre-transitional Justice and the Nakba Law,” Israel Law Review 54, 3 (2021), pp. 305–323 وفي كل ما يتصل بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني الممتد لسنوات عديدة، فقد أجريت في السابق أبحاث درست مبادرات من جانب واحد وغير قانونية تبلورت ميدانياً في الجانب الإسرائيلي. كانت تلك مبادرات ترمي إلى جمع المعطيات وقول الحقيقة، ومن بينها “ذاكرات” (زوخروت)، “لنكسر الصمت” و”مقاتلون من أجل السلام”. أما المبادرات الثنائية التعاونية القائمة على “فرضية الاتصال” (contact hypothesis) فتدرس مدى تأثير اللقاءات المنظمة الفاعلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال المسرح أو ورشات المصالحة على سبيل المثال. مبادرات أخرى، مثل “منتدى العائلات الثكلى”، تقترح تخليد الذكرى بصورة أخرى بديلة، ليس تحت رعاية الدولة، للقتلى من كلا جانبي المتراس. هذه أمثلة عن الفاعلية ما قبل الانتقالية التي تؤثر، بصورة غير واعية أحياناً، في صالح العدالة الانتقالية. وهي تزودنا بوعي متيقظ لواقع أن ثمة مبادرات قائمة ومن شأنها أن تقود إلى العدالة الانتقالية في المستقبل. 

هذه الأنماط من العدالة ما قبل الانتقالية آخذة في الانتشار، لكنها لا تحظى بالدراسة الكافية. من الجدير، أيضاً، معالجة مسألة مكانة النساء ـ “نساء يصنعن السلام”، “نساء الشمس الفلسطينيات”، وبوجه خاص مكانة النساء المتدينات ـ الحاخامية ليئا شكديئيل في “عوز فِشالوم” (عز وسلام، حركة السلام الدينية)، الحاخامية هداسا فرومان في “شورَشيم” (جذور)، الحاخامية تمار إلعاد ـ إفلباوم في معهد شالوم هرطمان. كما يتعين أيضاً دراسة عمليات المصالحة المرتكزة على الفنون ـ “في البيت” (FeelBeit)، “همفعال” في القدس؛ وفي مبادرات متعددة الديانات مثل “مكوديشت”، “معهد إليا”، “موزايكا”، المدرسة اليهودية ـ الإسلامية “شورَشيم ـ جذور” ومعهد “بليكلا، للحوار بين الأديان”. وسواء كان الأمر يحظى باستحسان السياسة الرسمية في كلا الجانبين أم لا، فإن بعض الإسرائيليين والفلسطينيين قد أصبحوا يعيشون اليوم في واقع العدالة ما قبل الانتقالية. هؤلاء على استعداد لسماع حقيقة الطرف الآخر، للدعوة إلى العدالة فيما يتعلق بالانتهاكات التاريخية لحقوق الإنسان، ولمعالجة ألم الآخر بصورة فاعلة، بواسطة المصالحة. لقد قرر هؤلاء، منذ زمن، الكف عن الندب والحداد على فشل محادثات السلام الرسمية والتقدم نحو المصالحة، رغم كل الصعاب.  

  • 1
    John Torpey, Politics and the Past: On Repairing Historical Injustices, Lanham: Rownan and Littlefield, 2003
  • 2
    Marek Kaminski et al., “Normative and Strategic Aspects of Transitional Justice,” Journal of Conflict Resolution 50, 3 (2006), pp. 295–302
  • 3
    Kieran Mcevoy, “Beyond Legalism: Towards a Thicker Understanding of Transitional Justice,” in Ruth Jamieson (ed.), The Criminology of War, New York: Routledge, 2017, p. 520
  • 4
    Alexandra Herfroy-Mischler, “Post-Transitional Apology: Expressing Contrition whilst Addressing the Holocaust Transitional Justice’s Failure,” in Daniel Cuypers et al. (eds.), Public Apology: Between Ritual and Regret, Amsterdam: Rodopi, 2013, pp. 167–188; idem, “When the Past Seeps into the Present: The Role of Press Agencies in Circulating New Historical Narratives and Restructuring Collective Memory during and after Holocaust Transitional Justice,” Journalism: Theory, Practice and Criticism 17, 7 (2016), pp. 823–844
  • 5
    Yoav Kapshuk and Lisa Strömbom, “Israeli Pre-transitional Justice and the Nakba Law,” Israel Law Review 54, 3 (2021), pp. 305–323
Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות