מפת ישראל-פלסטין (מתוך ויקימדיה)
Below are share buttons

نحو تسوية ثابتة في فلسطين ـ ماذا وكيف؟ 

عدد 10,

في هذه المقالة، أود أن أجادل بأنه ينبغي لحل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني أن يعالج الخصائص الاستعمارية البارزة للصراع، بدلاً من التركيز على المحاولات الفاشلة للتوصل إلى الحل عن طريق التقسيم. المصالحة ستكون نتاج نضال فلسطيني ـ يهودي مشترك، بدعم دولي، وستفضي إلى حل يتمثل في دولة واحدة، ديمقراطية وثنائية القومية، بين البحر والنهر. 

نتائج انتخابات الكنيست التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 وما تمخضت عنه من صعود اليمين إلى الحكم تُعتبر حدثاً في غاية الأهمية ضمن سيرورة تضاؤل احتمالات تسوية الصراع بواسطة التقسيم الجغرافي على أساس حدود الرابع من حزيران 1967. غير أنّ هذا خطأ شائع في فهم الصراع ثم في الاهتداء إلى الحل، بالتالي. فأولاً، جذور الصراع لا تمكن في احتلال العام 1967 وإنما في نتائج حرب العام 1948 وانتصار مشروع الحركة الصهيونية بكونه استعماراً استيطانياً. هذا المشروع وُلد في أوروبا ونشأ في إطاره وعيٌ لمجموعة قومية يهودية حديثة. وقد نجحت الحركة الصهيونية في إقناع العالم بفكرة تقرير المصير لليهود في فلسطين، بما في ذلك إقناع صنّاع القرار في الدول العظمى آنذاك بتأييد تطبيقه وتحقيقه. في العام 1947، حظي المشروع الصهيوني بقَبول غير مسبوق عبر قرار الأمم المتحدة رقم 181 ـ قرار التقسيم ـ الذي أيّدته القوتان الأعظم آنذاك، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وهو ما شكل تأييداً فعلياً، على أرض الواقع، للتطهير العِرقي وطرد الفلسطينيين من وطنهم، كنتيجة حتمية لإنشاء دولة يهودية. 

ثانياً، استخدَمت إسرائيل، أو قطاعات معينة فيها على الأقل، تقسيم فلسطين إقليمياً، والذي هو فكرة استعمارية أصلاً، لكي تبيِّن أنها معنية بتسوية الصراع؛ وفي الوقت ذاته، لمواصلة مهمة التطهير العِرقي، التهجير والاستيلاء على الأرض. في المقابل، استخدمت بعض القيادات الفلسطينية هذه الفكرة لتنمية وتعزيز التطلعات نحو الاستقلال وتقرير المصير في جزء من الوطن الفلسطيني؛ وبذلك، رسّخت حكمها كجهة داعمة لحل الصراع. وفي الوقت نفسه، استخدم المجتمع الدولي، بما فيه معظم قادة العالم العربي، هذه الفكرة لتجنب مواجهة المسألة المركزية التي تنبثق من الواقع الناشئ في فلسطين في ظل الصراع المستمر منذ أكثر من مائة عام.

التعامل مع الواقع الموضوعي هو مفتاح الحل العادل في فلسطين. ثمة في البلاد استعمار استيطاني تكرس في إطاره، على مدار السنين، نظام أبارتهايد. صحيح أن حكومة نتنياهو الأخيرة تعكس هذا الواقع بصورة واضحة وحادة، إلا أن هذا هو الوضع الممتد منذ العام 1948 حتى اليوم. فمن يزور الجليل، النقب أو المدن المختلطة، بل وينظر بعين نقدية إلى مؤسسات العامة، بما فيها الجامعات، المؤسسات القضائية، وسائل الإعلام وغيرها من المجالات التي تبدو وكأنها محايِدة، لا بد أن يلاحظ بسهولة واقع الإقصاء، الهيمنة العِرقية والتمييز القومي. قد تجنح الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى مفاقمة الوضع، لكنها لن تخلق واقعاً جديداً، كما تشير بعض التحليلات التي تُنشر هذه الأيام.  

في مقابل ذلك، من المحتمل جداً أن تكون الخطوات التي قد أعلنت الحكومة الجديدة عزمها على تنفيذها مَعلماً هاماً في سيرورة التغيير التي يجب إجراؤها في فلسطين ما بين البحر والنهر. طبقاً لهذا التقييم، ستساهم الحكومة الحالية في تعميق الاستعمار ثم، بالتالي، في الكشف عن الأبارتهايد القائم ووضع حدّ نهائيّ للتقديرات بشأن مدى أهمية الفصل إلى دولتين. كما ستزيد من حدة ووضوح البدائل الممكنة مستقبلاً: إما الأبارتهايد وإما المصالحة في إطار دولة واحدة. وهي قد تسهم، بذلك، إسهاماً كبيراً، وإنْ بشكل غير مباشر، في النضال من أجل وقف عملية الاستعمار والاستيلاء وتغيير الأجندة، من التسوية بواسطة التقسيم إلى اجتثاث حالة الأبارتهايد. وينبغي لهذا التغيير أن يحدث ليس على مستوى نظام الحكم فحسب، وإنما في المدن والأحياء أيضاً ـ إلغاء الفصل العِرقي في داخلها. ينبغي التوقف عن منع العرب من السكن في بلدات معينة، بل وإجراء تعديل قانوني، رمزي وبنيوي. 

إعادة ترسيم النضال من جديد هي واجب سياسي وأخلاقي ملقى على كاهل جميع الضالعين في هذا النشاط، في داخل البلاد وفي العالم، لكنها مهمة الفلسطينيين بصورة أساسية أو، بتعبير أدق، مهمة النُّخَب الفلسطينية في داخل الخط الأخضر وخارجه، بما في ذلك في الشتات الفلسطيني. صحيح أن الفلسطينيين هم الضحية الأساس للمواقع السائد في وطنهم، لكنني أرفض الادعاء القائل بأن ليس من واجب الضحية اقتراح المخرج. العكس هو الصحيح، ولو من منطلق أن مصلحة الفلسطينيين الأساسية تكمن في تغيير الوضع والدفع نحو إطلاق عملية، مهما كانت طويلة، تقود إلى تحقيق تسوية منصفة في فلسطين. 

يضيق المجال هنا عن الخوض في التفصيل، لكن بودّي اقتراح مخطط أولي يقوم على بضع نقاط انطلاق مركزية. أولاً، أن الفلسطينيين هم ضحية استعمار استيطاني آخذ في التنامي وأبارتهايد آخذ في التعمّق، منذ العام 1948 حتى اليوم. من هنا، فإن إنهاء الاستعمار وإلغاء الأبارتهايد هما المهمة العليا التي تنبثق منها دلالة مغايرة لتلك التي اكتسبها، حتى الآن، مصطلح “التحرير الوطني”. الهدف المركزي ليس تقرير المصير الإقليمي في جزء من الوطن، وإنما إنشاء دولة ونظام يقومان على الديمقراطية الجوهرية وتقرير المصير الفلسطيني الجماعي، وليس الإقليمي، إلى جانب اليهود ـ الإسرائيليين. مثل هذا الحل يستوجب، من جهة أولى، رفض الصهيونية باعتبارها الإيديولوجية الرسمية للدولة، الإيديولوجية التي تقود إلى سياسات الفوقية العِرقية؛ لكنه يقوم، من جهة ثانية، على الاعتراف باليهود الإسرائيليين كجماعة قومية تتمتع بحقٍ متساوٍ في تقرير المصير غير الإقليمي في الوطن المشترك. وإضافة إلى ذلك، من شأن الحل المُقترَح أن يؤدي إلى تصحيح النتائج التي خلّفتها النكبة وما تلاها من خطوات كان الهدف منها تعميق الاستعمار والأبارتهايد في البلاد؛ وفي خضم ذلك كله، يكون ثمة اعتراف بحق الفلسطينيين في التمسك بفكرة “وطن واحد، شعب واحد وحل واحد” ومراعاة الخصائص والظروف المميزة والخاصة لكل مجموعة فلسطينية ـ مواطنو إسرائيل، اللاجئون، سكان قطاع غزة، سكان القدس الشرقية وسكان الضفة الغربية ـ وكذلك مراعاة حق اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى البلاد وأن يكونوا شركاء في بناء وطن متساوٍ.  

ثانياً، الحل المُقترَح يتعارض مع بعض القرارات الدولية ومع إرث كبير من التأييد لحل الدولتين. مهمة تغيير الوعي متشعبة ومعقدة وتتطلب جهوداً كبيرة، من جانب الفلسطينيين وأنصارهم. القاعدة الأساسية، التحتية، للتغيير أصبحت متوفرة جزئياً. إسرائيل، الدولة التي أنشِئت استناداً إلى قرار التقسيم، اعتمدت سياسات أدت إلى القضاء على أية إمكانية للفصل الإقليمي. هي التي ألغت، فعلياً، اية إمكانية لتطبيق خطة التقسيم وجدواها كما ألغت، أيضاً، إمكانية حل الدولتين فوضعت، بذلك، حل الدولة الواحدة في المقدمة والصدارة. وفي رأيي، أن الأفكار المستندة إلى حل الدولتين، أو إلى حل الدولتين في وطن واحد، لم تعد صالحة بعد. نحن اليوم في وضع الدولة الواحدة التي تقف أمام خيارين: تعميق الأبارتهايد أو حل يقوم على أساس دولة مدنية ثنائية القومية. 

ثالثاً، ستكون عملية التغيير ـ أو، “دمقرطة البلاد”، باللغة المهنية ـ عملية طويلة ومعقدة وسوف تستغرق سنوات عديدة، غير أن الأرضية اللازمة لها أصبحت قائمة. ثمة شعبان اثنان يسكنان في هذه البلاد ولا مجال لإبعاد أي منهما عن الوطن؛ القاعدة الضرورية لعيش المشترك معاً أصبحت متوفرة. وعلاوة على ذلك، هنالك محاولة للتعاون، وإن كانت متواضعة، تتمثل في تنظيمات وفعاليات مشتركة في البلاد تشكل نماذج ابتدائية، أولية، للحل. كذلك، ثمة تجارب وخبرات دولية غنية في مجال عمليات المصالحة في مناطق عانت من عناصر الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد ذاتها. من خلال المصالحات التي جرت في أماكن مثل كندا، إيرلندا الشمالية، جنوب أفريقيا، العراق أو كوسوفو، يمكننا فهم إمكانيات التسوية والمصالحة وفرصهما. وتفيد التجارب الدولية بأن ثمة أهمية فائقة لوضع تصور واضح لنموذج ديمقراطي والتمسك بالنضال الشعبي المدني من أجل تفكيك الاستعمار وإنهائه، إلى جانب تأكيد الفائدة التي سوف تعود على جميع المواطنين في الوطن المشترك، وليس على أعضاء جماعة واحدة فقط.  

أنا مدرك للواقع في البلاد وللمعاني الخطيرة التي ينطوي عليها صعود أحزاب عنصرية إلى سدة الحكم في البلاد. يمكن الافتراض أن الاستعمار والأبارتهايد سوف يتعمقان أكثر فأكثر خلال الفترة القريبة، إلا أنّ توضيح الظروف السلبية والتشديد عليها هو المفتاح لتغييرها في المستقبل. قد يكون من الممكن، الآن بالذات، أن يستطيع الفلسطينيون واليهود دعاة السلام ومناصروهم في العالم أجمع، من بين الناس عامة والنخب على حد سواء، استثمار الروح العنصرية المهيمنة في إسرائيل. الآن بالذات، ينبغي تكثيف وتسريع الجهود لترسيخ فكرة أن فلسطين هي مكان يمكن أن يعيش فيه الجميع، بمساواة وحرية، وأن مصير أنظمة الفوقية العِرقية إلى زوال واختفاء من هذا العالم. هذا ما حصل في أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين، هذا ما حصل في حالات أخرى عديدة في العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين وهذا ما سيحصل في فلسطين/ إسرائيل، ربما في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.

أسعد غنام

מִנְבַּר

في هذه المقالة، أود أن أجادل بأنه ينبغي لحل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني أن يعالج الخصائص الاستعمارية البارزة للصراع، بدلاً من التركيز على المحاولات الفاشلة للتوصل إلى الحل عن طريق التقسيم. المصالحة ستكون نتاج نضال فلسطيني ـ يهودي مشترك، بدعم دولي، وستفضي إلى حل يتمثل في دولة واحدة، ديمقراطية وثنائية القومية، بين البحر والنهر. 

نتائج انتخابات الكنيست التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 وما تمخضت عنه من صعود اليمين إلى الحكم تُعتبر حدثاً في غاية الأهمية ضمن سيرورة تضاؤل احتمالات تسوية الصراع بواسطة التقسيم الجغرافي على أساس حدود الرابع من حزيران 1967. غير أنّ هذا خطأ شائع في فهم الصراع ثم في الاهتداء إلى الحل، بالتالي. فأولاً، جذور الصراع لا تمكن في احتلال العام 1967 وإنما في نتائج حرب العام 1948 وانتصار مشروع الحركة الصهيونية بكونه استعماراً استيطانياً. هذا المشروع وُلد في أوروبا ونشأ في إطاره وعيٌ لمجموعة قومية يهودية حديثة. وقد نجحت الحركة الصهيونية في إقناع العالم بفكرة تقرير المصير لليهود في فلسطين، بما في ذلك إقناع صنّاع القرار في الدول العظمى آنذاك بتأييد تطبيقه وتحقيقه. في العام 1947، حظي المشروع الصهيوني بقَبول غير مسبوق عبر قرار الأمم المتحدة رقم 181 ـ قرار التقسيم ـ الذي أيّدته القوتان الأعظم آنذاك، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وهو ما شكل تأييداً فعلياً، على أرض الواقع، للتطهير العِرقي وطرد الفلسطينيين من وطنهم، كنتيجة حتمية لإنشاء دولة يهودية. 

ثانياً، استخدَمت إسرائيل، أو قطاعات معينة فيها على الأقل، تقسيم فلسطين إقليمياً، والذي هو فكرة استعمارية أصلاً، لكي تبيِّن أنها معنية بتسوية الصراع؛ وفي الوقت ذاته، لمواصلة مهمة التطهير العِرقي، التهجير والاستيلاء على الأرض. في المقابل، استخدمت بعض القيادات الفلسطينية هذه الفكرة لتنمية وتعزيز التطلعات نحو الاستقلال وتقرير المصير في جزء من الوطن الفلسطيني؛ وبذلك، رسّخت حكمها كجهة داعمة لحل الصراع. وفي الوقت نفسه، استخدم المجتمع الدولي، بما فيه معظم قادة العالم العربي، هذه الفكرة لتجنب مواجهة المسألة المركزية التي تنبثق من الواقع الناشئ في فلسطين في ظل الصراع المستمر منذ أكثر من مائة عام.

التعامل مع الواقع الموضوعي هو مفتاح الحل العادل في فلسطين. ثمة في البلاد استعمار استيطاني تكرس في إطاره، على مدار السنين، نظام أبارتهايد. صحيح أن حكومة نتنياهو الأخيرة تعكس هذا الواقع بصورة واضحة وحادة، إلا أن هذا هو الوضع الممتد منذ العام 1948 حتى اليوم. فمن يزور الجليل، النقب أو المدن المختلطة، بل وينظر بعين نقدية إلى مؤسسات العامة، بما فيها الجامعات، المؤسسات القضائية، وسائل الإعلام وغيرها من المجالات التي تبدو وكأنها محايِدة، لا بد أن يلاحظ بسهولة واقع الإقصاء، الهيمنة العِرقية والتمييز القومي. قد تجنح الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى مفاقمة الوضع، لكنها لن تخلق واقعاً جديداً، كما تشير بعض التحليلات التي تُنشر هذه الأيام.  

في مقابل ذلك، من المحتمل جداً أن تكون الخطوات التي قد أعلنت الحكومة الجديدة عزمها على تنفيذها مَعلماً هاماً في سيرورة التغيير التي يجب إجراؤها في فلسطين ما بين البحر والنهر. طبقاً لهذا التقييم، ستساهم الحكومة الحالية في تعميق الاستعمار ثم، بالتالي، في الكشف عن الأبارتهايد القائم ووضع حدّ نهائيّ للتقديرات بشأن مدى أهمية الفصل إلى دولتين. كما ستزيد من حدة ووضوح البدائل الممكنة مستقبلاً: إما الأبارتهايد وإما المصالحة في إطار دولة واحدة. وهي قد تسهم، بذلك، إسهاماً كبيراً، وإنْ بشكل غير مباشر، في النضال من أجل وقف عملية الاستعمار والاستيلاء وتغيير الأجندة، من التسوية بواسطة التقسيم إلى اجتثاث حالة الأبارتهايد. وينبغي لهذا التغيير أن يحدث ليس على مستوى نظام الحكم فحسب، وإنما في المدن والأحياء أيضاً ـ إلغاء الفصل العِرقي في داخلها. ينبغي التوقف عن منع العرب من السكن في بلدات معينة، بل وإجراء تعديل قانوني، رمزي وبنيوي. 

إعادة ترسيم النضال من جديد هي واجب سياسي وأخلاقي ملقى على كاهل جميع الضالعين في هذا النشاط، في داخل البلاد وفي العالم، لكنها مهمة الفلسطينيين بصورة أساسية أو، بتعبير أدق، مهمة النُّخَب الفلسطينية في داخل الخط الأخضر وخارجه، بما في ذلك في الشتات الفلسطيني. صحيح أن الفلسطينيين هم الضحية الأساس للمواقع السائد في وطنهم، لكنني أرفض الادعاء القائل بأن ليس من واجب الضحية اقتراح المخرج. العكس هو الصحيح، ولو من منطلق أن مصلحة الفلسطينيين الأساسية تكمن في تغيير الوضع والدفع نحو إطلاق عملية، مهما كانت طويلة، تقود إلى تحقيق تسوية منصفة في فلسطين. 

يضيق المجال هنا عن الخوض في التفصيل، لكن بودّي اقتراح مخطط أولي يقوم على بضع نقاط انطلاق مركزية. أولاً، أن الفلسطينيين هم ضحية استعمار استيطاني آخذ في التنامي وأبارتهايد آخذ في التعمّق، منذ العام 1948 حتى اليوم. من هنا، فإن إنهاء الاستعمار وإلغاء الأبارتهايد هما المهمة العليا التي تنبثق منها دلالة مغايرة لتلك التي اكتسبها، حتى الآن، مصطلح “التحرير الوطني”. الهدف المركزي ليس تقرير المصير الإقليمي في جزء من الوطن، وإنما إنشاء دولة ونظام يقومان على الديمقراطية الجوهرية وتقرير المصير الفلسطيني الجماعي، وليس الإقليمي، إلى جانب اليهود ـ الإسرائيليين. مثل هذا الحل يستوجب، من جهة أولى، رفض الصهيونية باعتبارها الإيديولوجية الرسمية للدولة، الإيديولوجية التي تقود إلى سياسات الفوقية العِرقية؛ لكنه يقوم، من جهة ثانية، على الاعتراف باليهود الإسرائيليين كجماعة قومية تتمتع بحقٍ متساوٍ في تقرير المصير غير الإقليمي في الوطن المشترك. وإضافة إلى ذلك، من شأن الحل المُقترَح أن يؤدي إلى تصحيح النتائج التي خلّفتها النكبة وما تلاها من خطوات كان الهدف منها تعميق الاستعمار والأبارتهايد في البلاد؛ وفي خضم ذلك كله، يكون ثمة اعتراف بحق الفلسطينيين في التمسك بفكرة “وطن واحد، شعب واحد وحل واحد” ومراعاة الخصائص والظروف المميزة والخاصة لكل مجموعة فلسطينية ـ مواطنو إسرائيل، اللاجئون، سكان قطاع غزة، سكان القدس الشرقية وسكان الضفة الغربية ـ وكذلك مراعاة حق اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى البلاد وأن يكونوا شركاء في بناء وطن متساوٍ.  

ثانياً، الحل المُقترَح يتعارض مع بعض القرارات الدولية ومع إرث كبير من التأييد لحل الدولتين. مهمة تغيير الوعي متشعبة ومعقدة وتتطلب جهوداً كبيرة، من جانب الفلسطينيين وأنصارهم. القاعدة الأساسية، التحتية، للتغيير أصبحت متوفرة جزئياً. إسرائيل، الدولة التي أنشِئت استناداً إلى قرار التقسيم، اعتمدت سياسات أدت إلى القضاء على أية إمكانية للفصل الإقليمي. هي التي ألغت، فعلياً، اية إمكانية لتطبيق خطة التقسيم وجدواها كما ألغت، أيضاً، إمكانية حل الدولتين فوضعت، بذلك، حل الدولة الواحدة في المقدمة والصدارة. وفي رأيي، أن الأفكار المستندة إلى حل الدولتين، أو إلى حل الدولتين في وطن واحد، لم تعد صالحة بعد. نحن اليوم في وضع الدولة الواحدة التي تقف أمام خيارين: تعميق الأبارتهايد أو حل يقوم على أساس دولة مدنية ثنائية القومية. 

ثالثاً، ستكون عملية التغيير ـ أو، “دمقرطة البلاد”، باللغة المهنية ـ عملية طويلة ومعقدة وسوف تستغرق سنوات عديدة، غير أن الأرضية اللازمة لها أصبحت قائمة. ثمة شعبان اثنان يسكنان في هذه البلاد ولا مجال لإبعاد أي منهما عن الوطن؛ القاعدة الضرورية لعيش المشترك معاً أصبحت متوفرة. وعلاوة على ذلك، هنالك محاولة للتعاون، وإن كانت متواضعة، تتمثل في تنظيمات وفعاليات مشتركة في البلاد تشكل نماذج ابتدائية، أولية، للحل. كذلك، ثمة تجارب وخبرات دولية غنية في مجال عمليات المصالحة في مناطق عانت من عناصر الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد ذاتها. من خلال المصالحات التي جرت في أماكن مثل كندا، إيرلندا الشمالية، جنوب أفريقيا، العراق أو كوسوفو، يمكننا فهم إمكانيات التسوية والمصالحة وفرصهما. وتفيد التجارب الدولية بأن ثمة أهمية فائقة لوضع تصور واضح لنموذج ديمقراطي والتمسك بالنضال الشعبي المدني من أجل تفكيك الاستعمار وإنهائه، إلى جانب تأكيد الفائدة التي سوف تعود على جميع المواطنين في الوطن المشترك، وليس على أعضاء جماعة واحدة فقط.  

أنا مدرك للواقع في البلاد وللمعاني الخطيرة التي ينطوي عليها صعود أحزاب عنصرية إلى سدة الحكم في البلاد. يمكن الافتراض أن الاستعمار والأبارتهايد سوف يتعمقان أكثر فأكثر خلال الفترة القريبة، إلا أنّ توضيح الظروف السلبية والتشديد عليها هو المفتاح لتغييرها في المستقبل. قد يكون من الممكن، الآن بالذات، أن يستطيع الفلسطينيون واليهود دعاة السلام ومناصروهم في العالم أجمع، من بين الناس عامة والنخب على حد سواء، استثمار الروح العنصرية المهيمنة في إسرائيل. الآن بالذات، ينبغي تكثيف وتسريع الجهود لترسيخ فكرة أن فلسطين هي مكان يمكن أن يعيش فيه الجميع، بمساواة وحرية، وأن مصير أنظمة الفوقية العِرقية إلى زوال واختفاء من هذا العالم. هذا ما حصل في أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين، هذا ما حصل في حالات أخرى عديدة في العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين وهذا ما سيحصل في فلسطين/ إسرائيل، ربما في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות