ארכיון הספרייה הלאומית בירושלים (צילום: אורן אלדר, מתוך פליקר)
Below are share buttons

1948 وأرشيف الغد: عن الخيال الأدبي الأخلاقي ـ السياسي وحدوده

عدد 10,

في قصة عن الحبّ والظلام (2002)، رسَمَ عاموس عوز، المولود في العام 1939 ومَن كان يُعتبر على مرّ السنين الأديب الممثل عن اليسار الإسرائيلي المهيمن، الجنيولوجيا الخاصة به وبعائلته عبر مائة عام وثلاث قارات فصمّم، عبر ذلك، أرشيف تواريخ محطمة ومترابطة: أوروبية ويهودية، تنقيحية واشتراكية، يهودية وعربية.1 عاموس عوز، قصة عن الحب والظلام، القدس: كيتر، 2002 لقد توقف عوز عند أحداث 1948 في محاولة لمعالجة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وعاد إلى الفترة التي بقيت أشبه بثغرة في الثقافة الإسرائيلية: دور الحكومة البريطانية في الصراع الإسرائيلي ـ العربي وتأثيره على الهوية اليهودية ـ الصهيونية وعلى الهوية العربية في جوانب تتعلق بالاستعمار وبإنهاء الاستعمار. انطلاقاً من هذا، عرض تفكيراً متجدداً ومتعدد الاتجاهات بشأن جذور الصراع. بعد ذلك بنحو ست سنوات، اقتفت نوريت غيرتس في من تلقاء نفسه: أربعة فصول في حياة عاموس كينان (2008) أثر ذكريات زوجها المصاب بمرض الزهايمر، الأديب، الكاتب الصحفي، النحّات والمحارب في صفوف “ليحي” سابقاً.2نوريت غيرتس، من تلقاء نفسه: أربعة فصول في حياة عاموس كينان، تل أبيب: عام عوفيد، 2008. قبل لحظة من سقوط ذاكرته في هاوية النسيان وبناء على تجارب فترات حياتهما المشتركة وعلى أمور قالها أو كبَتها، حاولت غيرتس، المولودة في العام 1940، الحصول على معلومات حول المعركة في دير ياسين ـ إحدى المعارك الأكثر فظاعة التي جرت في 1948. في تلك المعركة، التي شارك فيها كينان إلى جانب نحو 130 من محاربي “ليحي” و”إيتسل” بإسناد من “هاغناه”، جرى احتلال القرية وتنفيذ مجزرة بحق غالبية سكانها ـ رجالاً، نساءً وأطفالاً ـ وتم تجميعهم في كومة ثم إحراق جثثهم لإخفاء أية آثار. في 1948 (2011)، عاد يورام كانيوك، المولود في العام 1930، إلى معارك 1948 التي شارك فيها في النبي صموئيل، ف القسطل وكطمون، ووصف أحداث الحرب بأنها “انتحار جماعي لأطفال وشبّان”.3يورام كانيوك، 1948، تل أبيب: يديعوت سفاريم، 2010. وقد سلط كانيوك الضوء على التناقضات الكامنة في صلب الروح الصهيونية. كما أضاء على أسطورة الولادة بوصفها رؤية علمانية حديثة تتوق إلى حياة طبيعية في أرض إسرائيل لكنها، مع ذلك، رؤية غارقة في الموت حتى العنق وتشتمل على عناصر غير عقلانية بشأن خلق “يهودي جديد” من أرض الوطن أو من البحر. ويعرض كانيوك الجانب الآخر من القومية الإسرائيلية ـ قومية تحتلّ، تطهِّر، تنهب وتسبب الكوارث بينما هو يعترف بدوره في جرائم الحرب ويروي كسف قتل طفلاً عربياً في قرية احتلها هو ورفاقه. من موقع آخر، يتحدى تومر غاردي المولود في العام 1974، في حجر، ورق (2012) التمييز الشائع بين “شهود أساسيين” و”شهود ثانويين” وبين “ذاكرة الأرشيف” و”تشكيل ذاكرة الحرب” ويكشف النقاب عن حدثين مترابطين: قصة تدمير قرية هونين الشيعية التي من أحجار منازلها المدمَّرَة بُني متحف أوسيشكين في كيبوتس دان حيث نشأ وترعرع؛ واغتصاب جنود الجيش الإسرائيلي أربعَ نساء عربيات ثم قتلهنّ خلال احتلال القرية.4تومر غاردي، حجر، ورق، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2011. تحقق غاردي من صحة الشهادات المحفوظة في أرشيفات مختلفة، عرضَ المظالم التي وقعت وأثار تساؤلات حول الصلاحية وإجراءات الكشف عن الوثائق وحول ممارسات المحو. 

أعمال عاموس عوز، نوريت غيرتس، يورام كانيوك وتومر غاردي هي أمثلة على موجة من أدب السيرة الذاتية الإسرائيلي الذي عاد في منعطف القرن إلى نقطة النهاية في 1948 وساهم في إنتاج خطاب عام أخلاقي ـ سياسي يشكل استمراراً ـ من قلب الأدب وبطرق أخرى ـ للخطاب السياسي، الداخلي والخارجي، الذي وصل إلى طريق مسدود.5انظروا أيضاً دانا أولمرت، كَسورٍ وقفن: أمهات لمحاربين في الأدب العبري، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2018؛ رنانا كيدار ورون دودائي، “محكمة متخيَّلة: مجتمع مدني، أدب وعدالة انتقالية نقدية في إسرائيل”، تيئوريا وبيكورت 50 (2018)، ص 371-390؛ Dana Olmert, “Mothers of Soldiers in Israeli Literature: The Return of the PoliticallyRepressed,” Prooftexts 33, 3 (2013), pp. 333–364

في أعقاب فشل اتفاقيات أوسلو (1993- 1998)، اغتيال رابين (1995) وانتفاضة الأقصى (2000)، وجد المجتمع الإسرائيلي نفسه في أزمة مفاهيمية، اجتماعية وسياسية عميقة. التفاؤل السياسي، الاجتماعي والاقتصادي الذي ربط اتفاقيات أوسلو برؤية الشرق الأوسط الجديد سرعان ما تبدد وحل مكانه يأس وإرهاق جماعيان ازدادا حدة في مفترق القرن. قاد هذا الوضع، بحسب لومسكي ـ فيدر وإيال بن أري، إلى مفهوم “فقدان إحداثيات الزمن”، وهو تعبير حاد عن تطبيع الحرب المستمرة دون توقف والتي اعتُبرت في الوعي الإسرائيلي وكأنها حرب واحدة، طويلة وأبدية.6عدنه لومسكي ـ فيدر وإيال بن آري، “الخطاب النفسي وتطبيع الحرب في إسرائيل”، غبريئيل شيفر، أورن براك وعميرام أورن (محررون)، جيش لديه دولة؟ نظرة مجدَّدة على العلاقة بين المجال الأمني والمجال المدني في إسرائيل، القدس: كرمل، 2008، ص 276- 300.   

عاد عوز، غيرتس، كانيوك وغاردي في أعمالهم إلى 1948 في محاولة لمعالجة مظالم الحرب كما انحفرت في ذاكرتهم وفي الذاكرة الإسرائيلية العامة. الربط ما بين الأخلاق والعدالة والقانون في أعمالهم، التي تشكّل أرشيفاً خاصاً بها، يستحضر الأدب الإسرائيلي باعتباره محركاً للاعتراف المتبادل وللعدالة التصالحية ووكيلاً محتملاً للسلام والمصالحة. يسعى الأربعة بحثاً عن بدائل لبناء مجتمع مدني من خلال مفاوضات متجددة حول المخزونات الاجتماعية والثقافية الصهيونية والفلسطينية؛ وهم يقومون بذلك من خلال الكشف عن أزمات هوية شخصية وعامة إلى جانب الاعترافات بالخراب وجرائم الحرب. لكنّني أزعم أن أعمال سيرَهم الذاتية، التي كُتبت انطلاقاً من مواقف ومواقع ذاتية مختلفة، لا تكتفي بالمحاكمات الميدانية الأدبية، بالتنديد أو بالتمايز: في محاولة لإعادة بناء أرشيف 1948 كفضاء لا سياسي أدبي، تستدعي مواجهة واسعة مع التأريخ الصهيوني والفلسطيني للعام 1948 ـ من خلال إعادة النظر في نقاط الاحتكاك وسيرورات التآكل، التعرية والمحو الإيديولوجية والاجتماعية ـ باعتباره تأريخاً متناقضاً خاضعاً للفحص من جديد. عميلة إعادة الأرشفة هذه، من خلال السيرة الذاتية، هي التي أودّ تسميتها “المبادئ الأخلاقية التكتونية” لكتابة الأرشيف. تنظر هذه المبادئ الأخلاقية إلى الإنتاج الأدبي باعتباره أرشيفاُ يحتوي على طبقات أرشيفية من الماضي والحاضر، من أزمنة وأمكنة مختلفة. 

يمكن وصف هذه الحركة في عدة اتجاهات وطرق. بروح ادعاء دريدا بأن “مسألة الأرشيف ليست قضية الماضي […] إنها مسألة استجابة، وعد ومسؤولية تجاه المستقبل”7جاك دريدا، مرض أرشيف، تل أبيب: رسلينغ، 2006 [1995]، ص 44، كل واحد من هذه النتاجات يضع في مركزه أرشيفاً يربط بين أزمنة وأمكنة ويحاول إعادة ترسيم الماضي كتصور جديد للمستقبل. الأدب العبري، الذي لعب على الدوام دوراً قومياً في الخطاب العام، يقترح في هذه الموجة الجديدة، من خلال أدب السيرة الذاتية، مقاربة جديدة للمصطلحات التي سقطت من الخطاب. وهو يميط اللثام عن عمليات المحو والإسكات التي أسهمت ـ ولا تزال تسهم ـ في تحصين السردية الصهيونية، كما تقترح سيرورات للاعتراف بـ”الآخرين” والاعتراف بالمظالم في إطار سيرورات المصالحة والغفران الإنسانية. في دورها الأرشيفيّ، وفي نقاط التوتر المتجسدة في هذه الصلاحية، تجمع الأعمال الأدبية بين اعترافات شخصية، فردية، لقاءات مع يهود وعرب، شهادات من أرشيف الجيش الإسرائيلي ومن أرشيفات شخصية، صور وبروتوكولات. هذه كلها تجعل من الممكن التوقف، قليلاً، عن البناء الهرميّ للذكريات المتنافسة، الذي يميز الخطاب العام في سنوات الألفين، ثم الهروب من لعبة المجموع الصفري بين الصدمات المتنافسة ـ لصالح ذاكرة متعددة الاتجاهات عن تاريخ البشرية تتشابك معاً وتتيح الاعتراف بسرديات تم إنكارها والتنكر لها.8Michael Rothberg, Multidirectional Memory: Remembering the Holocaust in the Age of Decolonization, Stanford: Stanford University Press, 2009 إتاحة الماضي من أجل المستقبل يتيح أيضاً لغة جديدة، كما كتب أمير إيشل مقتفياً أثر هايدن وايت: العودة إلى الماضي كحركة أدبية نحو الممكن، “كوكلاء للتاريخ الإنساني وليس كضحايا له فحسب […] كأعمال تساهم في تكوين ‘ثروة لغوية’ […] تلعب دوراً هاماً في تشكيل الحاضر، كما في محاولة تخيُّل المستقبل فعلياً، أيضاً”.9أمير إيشل، “المستقبلية وكتابة الماضي: حول أعمال ألكسندر كلوجه”، المحاضرة السنوية حول الأدب الألماني على اسم مارسيل رايخ ـ رنيتسكي، معهد منيرفا للتاريخ الألماني، جامعة تل أبيب، 2014، ص 9. 

كحركة مضادة للتوجهات الما بعد حداثية، وبعد الإعلان عن وفاة المؤلف، تضع روايات السير الذاتية التي كُتبت في فترة ما بعد أوسلو نقطة ارتكاز أرخميدية تتمثل فرادتها في أن “لا أحد يستطيع الإجابة نيابةً عني”.10عمانوئيل ليفيناس، أَنَسيَّة الإنسان الآخر، القدس، مؤسسة بياليك، 2004، ص 67. غير أن الممارسة الأرشيفية كثيراً ما تصطدم بنقاط عمًى إيديولوجية، اجتماعية وسياسية تثير تساؤلات حول البناء الأدبي للأرشيف حول إمكانية إرساء خيال أخلاقي ـ سياسي آخر. في ذلك، يحدد هذا الأدب أيضاً، وبصورة مباشرة، حدود الخيال الأخلاقي ـ السياسي وإخفاقاته وتحدياته وتتيح التمعن في الانقسامات والتوترات التي نشأت هي من صُلبها. عبر هذا الإجراء، ومن خلال القراءة النقدية، فُتحت نافذة للمفاوضات حول أرشيف 1948 في إطار عمليات التضميد، الإصلاح والمصالحة. وهي عمليات تنطوي على أسئلة الاعتراف بالغير والاعتراف بالمظالم التاريخية والسعي إلى تحمل المسؤولية في واقع الصراع المستمر. يمكّن هذا الفحص من معالجة صراعات سياسية متواصلة بواسطة تخيّل مجتمع آخر، وهي معالجة في صلبها محاولات احتواء لسرديات متعارضة، احترام متبادل، شراكة ومشاركة وجدانية.  

البدائل التي تقدمها الأعمال الأدبية الوارد ذكرُها آنفاً تفتح الأفق أمام سيرورات عميقة بإمكانها توسيع ميدان الصراعات الديمقراطي وتعزيز مجالات وأشكال التعاون المدني اليهودي ـ الفلسطيني. وهي تجري ضمن حقل ثقافي واجتماعي قائم ـ لكنه واهن ـ يحتاج إلى إجراء تغييرات ضرورية في عالم الصور السياسي ـ الاجتماعي الخاص به. صحيح أنها ليست خالية من المشاكل والتوترات، لكنها ترسي، عبر عمليات الأرشفة التي تقترحها، أسساً محتملة لحوار سياسي جديد حول نُظم تاريخية، اجتماعية وثقافية. 

  • 1
     عاموس عوز، قصة عن الحب والظلام، القدس: كيتر، 2002
  • 2
    نوريت غيرتس، من تلقاء نفسه: أربعة فصول في حياة عاموس كينان، تل أبيب: عام عوفيد، 2008.
  • 3
    يورام كانيوك، 1948، تل أبيب: يديعوت سفاريم، 2010.
  • 4
    تومر غاردي، حجر، ورق، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2011.
  • 5
    انظروا أيضاً دانا أولمرت، كَسورٍ وقفن: أمهات لمحاربين في الأدب العبري، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2018؛ رنانا كيدار ورون دودائي، “محكمة متخيَّلة: مجتمع مدني، أدب وعدالة انتقالية نقدية في إسرائيل”، تيئوريا وبيكورت 50 (2018)، ص 371-390؛ Dana Olmert, “Mothers of Soldiers in Israeli Literature: The Return of the PoliticallyRepressed,” Prooftexts 33, 3 (2013), pp. 333–364
  • 6
    عدنه لومسكي ـ فيدر وإيال بن آري، “الخطاب النفسي وتطبيع الحرب في إسرائيل”، غبريئيل شيفر، أورن براك وعميرام أورن (محررون)، جيش لديه دولة؟ نظرة مجدَّدة على العلاقة بين المجال الأمني والمجال المدني في إسرائيل، القدس: كرمل، 2008، ص 276- 300.   
  • 7
    جاك دريدا، مرض أرشيف، تل أبيب: رسلينغ، 2006 [1995]، ص 44
  • 8
    Michael Rothberg, Multidirectional Memory: Remembering the Holocaust in the Age of Decolonization, Stanford: Stanford University Press, 2009
  • 9
    أمير إيشل، “المستقبلية وكتابة الماضي: حول أعمال ألكسندر كلوجه”، المحاضرة السنوية حول الأدب الألماني على اسم مارسيل رايخ ـ رنيتسكي، معهد منيرفا للتاريخ الألماني، جامعة تل أبيب، 2014، ص 9. 
  • 10
    عمانوئيل ليفيناس، أَنَسيَّة الإنسان الآخر، القدس، مؤسسة بياليك، 2004، ص 67.
مي ـ طال ندلر

מִנְבַּר

في قصة عن الحبّ والظلام (2002)، رسَمَ عاموس عوز، المولود في العام 1939 ومَن كان يُعتبر على مرّ السنين الأديب الممثل عن اليسار الإسرائيلي المهيمن، الجنيولوجيا الخاصة به وبعائلته عبر مائة عام وثلاث قارات فصمّم، عبر ذلك، أرشيف تواريخ محطمة ومترابطة: أوروبية ويهودية، تنقيحية واشتراكية، يهودية وعربية.1 عاموس عوز، قصة عن الحب والظلام، القدس: كيتر، 2002 لقد توقف عوز عند أحداث 1948 في محاولة لمعالجة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وعاد إلى الفترة التي بقيت أشبه بثغرة في الثقافة الإسرائيلية: دور الحكومة البريطانية في الصراع الإسرائيلي ـ العربي وتأثيره على الهوية اليهودية ـ الصهيونية وعلى الهوية العربية في جوانب تتعلق بالاستعمار وبإنهاء الاستعمار. انطلاقاً من هذا، عرض تفكيراً متجدداً ومتعدد الاتجاهات بشأن جذور الصراع. بعد ذلك بنحو ست سنوات، اقتفت نوريت غيرتس في من تلقاء نفسه: أربعة فصول في حياة عاموس كينان (2008) أثر ذكريات زوجها المصاب بمرض الزهايمر، الأديب، الكاتب الصحفي، النحّات والمحارب في صفوف “ليحي” سابقاً.2نوريت غيرتس، من تلقاء نفسه: أربعة فصول في حياة عاموس كينان، تل أبيب: عام عوفيد، 2008. قبل لحظة من سقوط ذاكرته في هاوية النسيان وبناء على تجارب فترات حياتهما المشتركة وعلى أمور قالها أو كبَتها، حاولت غيرتس، المولودة في العام 1940، الحصول على معلومات حول المعركة في دير ياسين ـ إحدى المعارك الأكثر فظاعة التي جرت في 1948. في تلك المعركة، التي شارك فيها كينان إلى جانب نحو 130 من محاربي “ليحي” و”إيتسل” بإسناد من “هاغناه”، جرى احتلال القرية وتنفيذ مجزرة بحق غالبية سكانها ـ رجالاً، نساءً وأطفالاً ـ وتم تجميعهم في كومة ثم إحراق جثثهم لإخفاء أية آثار. في 1948 (2011)، عاد يورام كانيوك، المولود في العام 1930، إلى معارك 1948 التي شارك فيها في النبي صموئيل، ف القسطل وكطمون، ووصف أحداث الحرب بأنها “انتحار جماعي لأطفال وشبّان”.3يورام كانيوك، 1948، تل أبيب: يديعوت سفاريم، 2010. وقد سلط كانيوك الضوء على التناقضات الكامنة في صلب الروح الصهيونية. كما أضاء على أسطورة الولادة بوصفها رؤية علمانية حديثة تتوق إلى حياة طبيعية في أرض إسرائيل لكنها، مع ذلك، رؤية غارقة في الموت حتى العنق وتشتمل على عناصر غير عقلانية بشأن خلق “يهودي جديد” من أرض الوطن أو من البحر. ويعرض كانيوك الجانب الآخر من القومية الإسرائيلية ـ قومية تحتلّ، تطهِّر، تنهب وتسبب الكوارث بينما هو يعترف بدوره في جرائم الحرب ويروي كسف قتل طفلاً عربياً في قرية احتلها هو ورفاقه. من موقع آخر، يتحدى تومر غاردي المولود في العام 1974، في حجر، ورق (2012) التمييز الشائع بين “شهود أساسيين” و”شهود ثانويين” وبين “ذاكرة الأرشيف” و”تشكيل ذاكرة الحرب” ويكشف النقاب عن حدثين مترابطين: قصة تدمير قرية هونين الشيعية التي من أحجار منازلها المدمَّرَة بُني متحف أوسيشكين في كيبوتس دان حيث نشأ وترعرع؛ واغتصاب جنود الجيش الإسرائيلي أربعَ نساء عربيات ثم قتلهنّ خلال احتلال القرية.4تومر غاردي، حجر، ورق، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2011. تحقق غاردي من صحة الشهادات المحفوظة في أرشيفات مختلفة، عرضَ المظالم التي وقعت وأثار تساؤلات حول الصلاحية وإجراءات الكشف عن الوثائق وحول ممارسات المحو. 

أعمال عاموس عوز، نوريت غيرتس، يورام كانيوك وتومر غاردي هي أمثلة على موجة من أدب السيرة الذاتية الإسرائيلي الذي عاد في منعطف القرن إلى نقطة النهاية في 1948 وساهم في إنتاج خطاب عام أخلاقي ـ سياسي يشكل استمراراً ـ من قلب الأدب وبطرق أخرى ـ للخطاب السياسي، الداخلي والخارجي، الذي وصل إلى طريق مسدود.5انظروا أيضاً دانا أولمرت، كَسورٍ وقفن: أمهات لمحاربين في الأدب العبري، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2018؛ رنانا كيدار ورون دودائي، “محكمة متخيَّلة: مجتمع مدني، أدب وعدالة انتقالية نقدية في إسرائيل”، تيئوريا وبيكورت 50 (2018)، ص 371-390؛ Dana Olmert, “Mothers of Soldiers in Israeli Literature: The Return of the PoliticallyRepressed,” Prooftexts 33, 3 (2013), pp. 333–364

في أعقاب فشل اتفاقيات أوسلو (1993- 1998)، اغتيال رابين (1995) وانتفاضة الأقصى (2000)، وجد المجتمع الإسرائيلي نفسه في أزمة مفاهيمية، اجتماعية وسياسية عميقة. التفاؤل السياسي، الاجتماعي والاقتصادي الذي ربط اتفاقيات أوسلو برؤية الشرق الأوسط الجديد سرعان ما تبدد وحل مكانه يأس وإرهاق جماعيان ازدادا حدة في مفترق القرن. قاد هذا الوضع، بحسب لومسكي ـ فيدر وإيال بن أري، إلى مفهوم “فقدان إحداثيات الزمن”، وهو تعبير حاد عن تطبيع الحرب المستمرة دون توقف والتي اعتُبرت في الوعي الإسرائيلي وكأنها حرب واحدة، طويلة وأبدية.6عدنه لومسكي ـ فيدر وإيال بن آري، “الخطاب النفسي وتطبيع الحرب في إسرائيل”، غبريئيل شيفر، أورن براك وعميرام أورن (محررون)، جيش لديه دولة؟ نظرة مجدَّدة على العلاقة بين المجال الأمني والمجال المدني في إسرائيل، القدس: كرمل، 2008، ص 276- 300.   

عاد عوز، غيرتس، كانيوك وغاردي في أعمالهم إلى 1948 في محاولة لمعالجة مظالم الحرب كما انحفرت في ذاكرتهم وفي الذاكرة الإسرائيلية العامة. الربط ما بين الأخلاق والعدالة والقانون في أعمالهم، التي تشكّل أرشيفاً خاصاً بها، يستحضر الأدب الإسرائيلي باعتباره محركاً للاعتراف المتبادل وللعدالة التصالحية ووكيلاً محتملاً للسلام والمصالحة. يسعى الأربعة بحثاً عن بدائل لبناء مجتمع مدني من خلال مفاوضات متجددة حول المخزونات الاجتماعية والثقافية الصهيونية والفلسطينية؛ وهم يقومون بذلك من خلال الكشف عن أزمات هوية شخصية وعامة إلى جانب الاعترافات بالخراب وجرائم الحرب. لكنّني أزعم أن أعمال سيرَهم الذاتية، التي كُتبت انطلاقاً من مواقف ومواقع ذاتية مختلفة، لا تكتفي بالمحاكمات الميدانية الأدبية، بالتنديد أو بالتمايز: في محاولة لإعادة بناء أرشيف 1948 كفضاء لا سياسي أدبي، تستدعي مواجهة واسعة مع التأريخ الصهيوني والفلسطيني للعام 1948 ـ من خلال إعادة النظر في نقاط الاحتكاك وسيرورات التآكل، التعرية والمحو الإيديولوجية والاجتماعية ـ باعتباره تأريخاً متناقضاً خاضعاً للفحص من جديد. عميلة إعادة الأرشفة هذه، من خلال السيرة الذاتية، هي التي أودّ تسميتها “المبادئ الأخلاقية التكتونية” لكتابة الأرشيف. تنظر هذه المبادئ الأخلاقية إلى الإنتاج الأدبي باعتباره أرشيفاُ يحتوي على طبقات أرشيفية من الماضي والحاضر، من أزمنة وأمكنة مختلفة. 

يمكن وصف هذه الحركة في عدة اتجاهات وطرق. بروح ادعاء دريدا بأن “مسألة الأرشيف ليست قضية الماضي […] إنها مسألة استجابة، وعد ومسؤولية تجاه المستقبل”7جاك دريدا، مرض أرشيف، تل أبيب: رسلينغ، 2006 [1995]، ص 44، كل واحد من هذه النتاجات يضع في مركزه أرشيفاً يربط بين أزمنة وأمكنة ويحاول إعادة ترسيم الماضي كتصور جديد للمستقبل. الأدب العبري، الذي لعب على الدوام دوراً قومياً في الخطاب العام، يقترح في هذه الموجة الجديدة، من خلال أدب السيرة الذاتية، مقاربة جديدة للمصطلحات التي سقطت من الخطاب. وهو يميط اللثام عن عمليات المحو والإسكات التي أسهمت ـ ولا تزال تسهم ـ في تحصين السردية الصهيونية، كما تقترح سيرورات للاعتراف بـ”الآخرين” والاعتراف بالمظالم في إطار سيرورات المصالحة والغفران الإنسانية. في دورها الأرشيفيّ، وفي نقاط التوتر المتجسدة في هذه الصلاحية، تجمع الأعمال الأدبية بين اعترافات شخصية، فردية، لقاءات مع يهود وعرب، شهادات من أرشيف الجيش الإسرائيلي ومن أرشيفات شخصية، صور وبروتوكولات. هذه كلها تجعل من الممكن التوقف، قليلاً، عن البناء الهرميّ للذكريات المتنافسة، الذي يميز الخطاب العام في سنوات الألفين، ثم الهروب من لعبة المجموع الصفري بين الصدمات المتنافسة ـ لصالح ذاكرة متعددة الاتجاهات عن تاريخ البشرية تتشابك معاً وتتيح الاعتراف بسرديات تم إنكارها والتنكر لها.8Michael Rothberg, Multidirectional Memory: Remembering the Holocaust in the Age of Decolonization, Stanford: Stanford University Press, 2009 إتاحة الماضي من أجل المستقبل يتيح أيضاً لغة جديدة، كما كتب أمير إيشل مقتفياً أثر هايدن وايت: العودة إلى الماضي كحركة أدبية نحو الممكن، “كوكلاء للتاريخ الإنساني وليس كضحايا له فحسب […] كأعمال تساهم في تكوين ‘ثروة لغوية’ […] تلعب دوراً هاماً في تشكيل الحاضر، كما في محاولة تخيُّل المستقبل فعلياً، أيضاً”.9أمير إيشل، “المستقبلية وكتابة الماضي: حول أعمال ألكسندر كلوجه”، المحاضرة السنوية حول الأدب الألماني على اسم مارسيل رايخ ـ رنيتسكي، معهد منيرفا للتاريخ الألماني، جامعة تل أبيب، 2014، ص 9. 

كحركة مضادة للتوجهات الما بعد حداثية، وبعد الإعلان عن وفاة المؤلف، تضع روايات السير الذاتية التي كُتبت في فترة ما بعد أوسلو نقطة ارتكاز أرخميدية تتمثل فرادتها في أن “لا أحد يستطيع الإجابة نيابةً عني”.10عمانوئيل ليفيناس، أَنَسيَّة الإنسان الآخر، القدس، مؤسسة بياليك، 2004، ص 67. غير أن الممارسة الأرشيفية كثيراً ما تصطدم بنقاط عمًى إيديولوجية، اجتماعية وسياسية تثير تساؤلات حول البناء الأدبي للأرشيف حول إمكانية إرساء خيال أخلاقي ـ سياسي آخر. في ذلك، يحدد هذا الأدب أيضاً، وبصورة مباشرة، حدود الخيال الأخلاقي ـ السياسي وإخفاقاته وتحدياته وتتيح التمعن في الانقسامات والتوترات التي نشأت هي من صُلبها. عبر هذا الإجراء، ومن خلال القراءة النقدية، فُتحت نافذة للمفاوضات حول أرشيف 1948 في إطار عمليات التضميد، الإصلاح والمصالحة. وهي عمليات تنطوي على أسئلة الاعتراف بالغير والاعتراف بالمظالم التاريخية والسعي إلى تحمل المسؤولية في واقع الصراع المستمر. يمكّن هذا الفحص من معالجة صراعات سياسية متواصلة بواسطة تخيّل مجتمع آخر، وهي معالجة في صلبها محاولات احتواء لسرديات متعارضة، احترام متبادل، شراكة ومشاركة وجدانية.  

البدائل التي تقدمها الأعمال الأدبية الوارد ذكرُها آنفاً تفتح الأفق أمام سيرورات عميقة بإمكانها توسيع ميدان الصراعات الديمقراطي وتعزيز مجالات وأشكال التعاون المدني اليهودي ـ الفلسطيني. وهي تجري ضمن حقل ثقافي واجتماعي قائم ـ لكنه واهن ـ يحتاج إلى إجراء تغييرات ضرورية في عالم الصور السياسي ـ الاجتماعي الخاص به. صحيح أنها ليست خالية من المشاكل والتوترات، لكنها ترسي، عبر عمليات الأرشفة التي تقترحها، أسساً محتملة لحوار سياسي جديد حول نُظم تاريخية، اجتماعية وثقافية. 

  • 1
     عاموس عوز، قصة عن الحب والظلام، القدس: كيتر، 2002
  • 2
    نوريت غيرتس، من تلقاء نفسه: أربعة فصول في حياة عاموس كينان، تل أبيب: عام عوفيد، 2008.
  • 3
    يورام كانيوك، 1948، تل أبيب: يديعوت سفاريم، 2010.
  • 4
    تومر غاردي، حجر، ورق، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2011.
  • 5
    انظروا أيضاً دانا أولمرت، كَسورٍ وقفن: أمهات لمحاربين في الأدب العبري، تل أبيب: هكيبوتس همؤوحاد، 2018؛ رنانا كيدار ورون دودائي، “محكمة متخيَّلة: مجتمع مدني، أدب وعدالة انتقالية نقدية في إسرائيل”، تيئوريا وبيكورت 50 (2018)، ص 371-390؛ Dana Olmert, “Mothers of Soldiers in Israeli Literature: The Return of the PoliticallyRepressed,” Prooftexts 33, 3 (2013), pp. 333–364
  • 6
    عدنه لومسكي ـ فيدر وإيال بن آري، “الخطاب النفسي وتطبيع الحرب في إسرائيل”، غبريئيل شيفر، أورن براك وعميرام أورن (محررون)، جيش لديه دولة؟ نظرة مجدَّدة على العلاقة بين المجال الأمني والمجال المدني في إسرائيل، القدس: كرمل، 2008، ص 276- 300.   
  • 7
    جاك دريدا، مرض أرشيف، تل أبيب: رسلينغ، 2006 [1995]، ص 44
  • 8
    Michael Rothberg, Multidirectional Memory: Remembering the Holocaust in the Age of Decolonization, Stanford: Stanford University Press, 2009
  • 9
    أمير إيشل، “المستقبلية وكتابة الماضي: حول أعمال ألكسندر كلوجه”، المحاضرة السنوية حول الأدب الألماني على اسم مارسيل رايخ ـ رنيتسكي، معهد منيرفا للتاريخ الألماني، جامعة تل أبيب، 2014، ص 9. 
  • 10
    عمانوئيل ليفيناس، أَنَسيَّة الإنسان الآخر، القدس، مؤسسة بياليك، 2004، ص 67.
Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות