ד"ר שלמה אלון.
Below are share buttons

تدريس اللغة العربية في المدارس العبرية في إسرائيل: مقابلة مع شلومو آلون

عدد 02,

مرَّ عامان منذ تقاعد الدكتور شلومو ألون من عمله في وزارة التربية والتعليم، إذ عمل هناك طوال 26 عامًا مفتشًا على تدريس اللغة العربية في المدارس العبرية. التقيناه للحديث معه حول الصعوبات والانجازات والتوصيات للمستقبل.

متى بدأوا بتعليم العربية في المدارس العبرية في البلاد؟

وفقًا لدراسات مختلفة يتبيّن أنّه منذ أواخر القرن التاسع عشر دُرِّست العربية في المدارس في القدس وحيفا وفي بعض البلدات اليهودية الجديدة. نعرف بالتأكيد، مثلاً، أنه في العام 1901 قام إلياهو ميوحاس بتعليم العربية في المدرسة الدينية للبنات “أفلينا دي روتشيلد” في القدس. وحتى في فترة الانتداب كان هنالك حضور لهذا الموضوع في المدارس العبرية، ذلك أنَّ اللغة العربية كانت هي السائدة في البلاد آنذاك. لقد علّموا هذه اللغة كي يتعرّفوا على أوجه الشبه بين اللغتين وكذلك من أجل التحدّث مع السكّان العرب والتواصل معهم.

هل بدأوا بتعليم العربية في المدارس مباشرة بعد قيام الدولة؟

الأمر المثير للاهتمام أنه خلال السنوات الأولى كان هناك مقاومة ضد تدريس اللغة الإنجليزية، كما يبدو بسبب الانتداب، وبالمقابل فقد حظي تدريس العربية بالقبول. ولكن بعد فترة وجيزة تبوّأت اللغة الإنجليزية موقعها كلغة عالمية. بقيت اللغة العربية على مدى سنوات طويلة لغة اختيارية إلى جانب اللغة الفرنسية، إلاَّ أنَّ ذلك تغيّر للأفضل في العقدين الأخيرين. في الوقت الحالي، فإن مقابل كل طالب يتقدّم لامتحان البجروت في اللغة الفرنسية هنالك طالبان على الأقل يتقدّمان لامتحان البجروت في اللغة العربية.

بناءً على بحث شامل أعدّ في السنة الماضية، فقد كان عدد الطلاب الذين يتعلّمون اللغة العربية في جهاز التربية والتعليم حتى العام 2012 على النحو التالي: في المدارس الابتدائية – برنامج “يا سلام” (العربية العامية) – يجري اعتماد هذا البرنامج في 800 غرفة تدريس تتوزّع على 220 مدرسة ويشمل ذلك حوالي 23 ألف طالب. يتم اعتماد هذا البرنامج كموضوع إلزامي في المدارس الواقعة في اللواء الشمالي وفي عدد من المدارس في مناطق أخرى. أما في المدارس الإعدادية تعتبر اللغة العربية موضوع إلزامي في الصفوف السابعة حتى التاسعة، ويتعلّمها حوالي مائة ألف طالب. وفي المدارس الثانوية يتعلّم أكثر من عشرة آلاف طالب في الصف العاشر العربية كلغة إلزامية، كما ويتعلّم حوالي 8,000 طالب العربية لامتحان البجروت في الصفين الحادي عشر والثاني عشر كموضوع اختياري. في المجموع الكلي يتعلّم حاليًا في جهاز التربية والتعليم العبري نحو 141 ألف طالب اللغة العربية في كل الفئات العمرية.[1]

ما هي العقبات الرئيسة أمام تدريس العربية، علاوةً على العداء السياسي؟

اعتقد أنَّ العداء السياسي ليس عنصرًا مهيمنًا في المدارس. تتمثّل العقبة الرئيسة في كون العربية لم تنجح في التمتّع بمكانة ضمن المواضيع الأساس ولم يتم إدراجها ضمن هذه المواضيع. إنَّ تعليم اللغات الثلاث في المدارس العربية إجباري، بما في ذلك لامتحانات البجروت، ولا يمكن الحصول على شهادة بجروت إذا لم يُمتحن الطلاب في العربية والعبرية، في حين أنَّ الأمر ليس كذلك في المدارس العبرية. ولهذا فإنَّ مكانة العربية ليست مرموقة مقارنة بالمواضيع الأخرى.

خلال السنوات الطويلة التي كنتَ فيها مفتشًا هل لمستَ تغييرًا بخصوص تعليم اللغة وفقًا للتغيّرات في الوضع السياسي؟

كانت هناك فترتان بارزتان لصالح اللغة العربية: لقد أفضت النشوة التي تشكّلت في أعقاب حرب حزيران 1967 إلى رغبة الجمهور في تعلّم اللغة العربية بسبب الاتصال المفاجئ والمذهل مع السكّان الفلسطينيّين. كانت حينذاك رغبة في تعلّم اللغة العامية، وتم افتتاح الدورات والمساقات حتى خارج إطار جهاز التعليم، وتم تأليف الكتب التعليمية الجديدة وغير ذلك. كما كانت هناك فترة مشابهة، ولكنها أقلّ عنفوانًا، لوحظت بعد زيارة السادات وتوقيع معاهدة السلام مع مصر.

شهدت الأوقات التي تخلّلتها الأزمات انخفاضًا هنا وهناك، ليس بالإمكان الإشارة إلى وجود علاقة طردية بارزة بين تعليم اللغة والحالة السياسية. كان موقف جميع وزراء التربية والتعليم بخصوص هذا الموضوع، سواء كانوا من اليمين أو اليسار، متدينين أو علمانيّين، بما في ذلك نواب الوزراء من المتدينين المتزمّتين، يتراوح ما بين اللامبالاة وحتى مقولات مثل: تعليم العربية هام جدًا ويجب عدم المس به. وفعلاً، لم يحدث أبدًا أن حاولوا المساس بالموضوع أو إلغاءه.

متى بدأ الدفع قدمًا من أجل جعل تعليم اللغة العربية إلزاميًا؟

بدأت العملية إبّان عهد الوزير يتسحاق نافون، والمعروف عنه أنه كان يتكلّم العربية بطلاقة، ولكن من قام بالعمل الجدي والهام في هذا الجانب كان الوزير أمنون روبنشطاين في مطلع التسيعينيات. كان لدى روبنشطاين وجهة نظر بخصوص تعليم اللغات بشكل عام، وخلال فترة ولايته أصدر وثيقة، لا تزال يتيمة حتى اليوم، بشأن التربية اللغوية في إسرائيل، وتمتّعت اللغة العربية في هذه الوثيقة بمكانة لغة إلزامية. وتم تعريف هذه السياسة في منشور المدير العام للوزارة شوشاني الذي حمل العنوان “ثلاث لغات ونصف”- العبرية، الإنجليزية والعربية إلزامية، أما “النصف” فقد منح خيارًا لتعلّم لغة إضافية أخرى تتكلّم بها مجموعات من السكّان كالروسية، والأمهرية الخ. ولو فحصنا في وثائق وزارة التربية والتعليم، لتبيّن لنا أنَّ منشور المدير العام هذا لا يزال ممثلاً للسياسات حتى الوقت الراهن. ولكني أقول بين هلالين أنه عندما نبقي الوثيقة كما هي ولا نقوم بتغييرها فهذا لا يعني بأننا بالضرورة ننظر إليها بجدية.

من المعروف أنَّ هنالك جدلاً دائرًا حول مسألة أيهما من المفضل أن نعلّم العربية العاميّة أم العربية الفصحى. ما موقفك بشأن هذا الموضوع؟

من الشائع اليوم في العالم معاينة مسألة التسلسل التعليمي، وتدريس ما يطلق عليه العربية الفصحى الحديثة (MSA – Modern Standard Arabic) المستعملة في وسائل الإعلام في أنحاء العالم العربي. أعتقد أنه عندما يتم تعلّم العربية بدون القدرة على القراءة ينشأ عن ذلك واقع هشّ وفضفاض لأنه إذا لم يتواجد الشخص في مجتمع يقدم له الدعم في التكلّم فسرعان ما تختفي اللغة عنده. في مقابل ذلك، فإنَّ القدرة على القراءة تمنح أساسًا لديمومة اللغة حتى لو لم نعش في بيئة تتكلّم العربية. فشل تدريس العربية العامية بالحروف العبرية فشلاً تلو الأخر، ولأسفي الشديد لا يزال هناك من يحاول تكرار هذه التجربة مرة تلو الأخرى. بادرتُ خلال العقد الماضي إلى تبنّي توجّه من نوع آخر في تدريس العربية العامية في المدارس الابتدائية من خلال التكلّم فقط، والتعبير الشفهي وتعليم الطلاب مبادئ وأسس الثقافة في الصفوف الدنيا، وبصورة تدريجية، وتعليم الطلاب في الصف السادس أشكال الأحرف والكتابة. وشاركت في هذه المبادرة منظمات من المجتمع المدني كجمعية “مبادرات صندوق إبراهيم” و “مرحابيم”- كما أنَّ وزارة التربية والتعليم تتبنّى المبادرة وتدعمها. وتلقينا الدعم من مديري الألوية، كما أنَّ ردود فعل الطلاب والأهالي تبعث على الرضا. هذه طريقة إضافية لدمج عدد أكبر من المعلمين العرب، أو بالأصح معلّمات عربيات في المدارس.

لو سمحتَ لي، فلنتوسّع في موضوع دمج معلّمين عرب في المدارس اليهودية. لماذا تستثمر الجهود والموارد في تأهيل معلّمات يهوديات لا تعتبر العربية لغة الأم لديهن، ولا نلجأ إلى استغلال الموارد البشرية القائمة والمتمثّلة في المعلّمين العرب في إسرائيل؟

لنقل الحقيقة، خلال الأزمات والتوتر الأمني فإنَّ حالة المعلّم العربي في المدرسة اليهودية غير مريحة بسبب فهمنا السطحي الذي يعتبر كل عربي متورطًا في العنف والإرهاب. وقد لا يشعر المعلّم العربي بالارتياح في بعض المناسبات كما في يوم الكارثة ويوم الذكرى، وتناهت إلي حالات حتى عن طلاب في المدارس الابتدائية، وضعوا معلّميهم العرب أمام “اختبار” كما يبدو، ما إذا كانوا سيقفون عند انطلاق الصافرة مثلاً. للأسف الشديد فإننا غير متسامحين في هذا الجانب. شاهدتُ في الآونة الأخيرة فيلمًا وثائقيًا عن معلّمة عربية من قرية كفر قرع تدرّس في هود هشارون، والذي يستعرض هذه المعضلات بصورة مباشرة. حاز فيلم “هديل” على جائزة، وأوصي بمشاهدته لكي نفهم على نحو جيد وملموس هذه المعضلات. على الرغم من ذلك، جرت محاولات في الماضي، وهنالك محاولات في الوقت الراهن، لدمج معلّمين عرب في المدارس. استوعبت المدارس العبرية خلال السنوات الماضية أكثر من مائة معلّمة عربية، وخصوصًا من المنطقة الشمالية. وبشكل عام فقد اندمجن بصورة جيدة. اعتقد أنه يوجد لذلك مزايا عديدة. فبالإضافة لحقيقة كون المعلّم العربي يتحدّث العربية أثناء الحصة، فإنه بمثابة وسيط للثقافة ويجلب معه قيمة إضافية لغرفة المعلمين وللصفوف الدراسية.

حتى بعد تقاعدك تواصل الانخراط في مجال تدريس العربية وفي نشاطات أكاديمية وتربوية. إحدى المؤسّسات التي تنشط فيها هي مجمع اللغة العربية، الذي أسس قبل حوالي خمس سنوات. حدثنا عن عمل هذه المؤسّسة.

أنا مستمر كما في الماضي. لست يائسًا، يحذوني الأمل، يجب القيام بأعمال جذرية للغاية. مثلما ذكرت، إذا تمكّنت العربية من النجاح في الدخول ضمن مجال التعليم الأساسي أو كوحدة إلزامية للبجروت فهذا سيعدّ تطوّرًا وتحسّنًا في مكانتها. أتطلع لإسهامات المعاهد والمنظمات الأخرى مثل معهد فان لير في دعم هذا التوجّه. قام صندوق روتشيلد في حينه بتشكيل لجنة مرموقة جدًّا عملت في هذا المجال، ولكن بدون نتائج تذكر. يجب العمل أيضًا في الجامعات لتغيير نظرتها لأقسام اللغة والأدب العربي وملاءمة برامج التعليم حتى تعمل على تأهيل المعلّمين. في الوقت الراهن، فإنّ كل عمداء الجامعات الرائدة في البلاد هم من “المستعربين”، الذين يتحدثون العربية ويجرون أبحاثًا حولها أو مؤرّخين لتاريخ الشرق الأوسط، ولكن هذا غير كافٍ كما يبدو. لست أدري إن كان ذلك صدفة أم لا.

أما بالنسبة لمجمع اللغة العربية، فأنا فخور أن أكون العضو اليهودي الوحيد في إدارته المكوّنة من 19 عضوًا. بعد تأسيس المجمع بفعل قرار من الكنيست، فإنه يعمل حاليًا بوصفه دار نشر للكتب، تعجز الأطر الأخرى عن إصدارها، إضافة إلى أعماله الأخرى. فعلى سبيل المثال، صدر مؤخرًا معجم مكوّن من 600 صفحة بعنوان: “معجم الموتيفات المركزية في شعر محمود درويش” وهو كتاب جميل ورائع. كما وتم تجميع مقالات للأستاذ ساسون سوميخ، الرئيس الفخري للمجمع، وتم نشرها ضمن كتاب باللغتين العربية والإنجليزية. تمّ تسويق هذا الكتاب بصورة هائلة ونفاذه بسرعة شديدة. كما وصدرت ثلاثة أعداد من مجلة المجمع، وعما قريب سيرى النور العدد الرابع. ويجري العمل على قاموس جديد ولكن بوتيرة بطيئة. تعمل اللجان المختلفة في المجمّع على مسألة توفير اصطلاحات عربية للكلمات الحديثة، وهي على اتصال بالجمهور من خلال مركّزين ميدانيّين، الذين ينشطون داخل المجتمع العربي. عمّا قريب سوف ألتقي مع رئيس السكرتارية التربوية كي أقترح عليه الاستعانة بأعضاء المجمع من أجل إعطاء دروس إثراء بالعربية في المدارس العربية واليهودية. كما ويحاول أعضاء المجمع الاتصال بمجامع اللغة العربية في الدول العربية. ووجّهت قبل فترة وجيزة دعوة إلى رئيس المجمع الأستاذ محمود غنايم لمؤتمر عُقد في الدوحة شارك فيه جميع رؤساء المجامع اللغوية العربية في العالم العربي. وهذا إنجاز رائع.

وفي الختام يدعونا الدكتور ألون للإطلاع على تقرير المجمع العلمي الوطني الإسرائيلي للعلوم والآداب والاقتراحات الهامة التي وردت فيه بغية دعم وتحسين مستوى تعليم اللغة العربية في المدارس العبرية (يُنظر الحاشية أعلاه).

تفاصيل إضافية حول نشاطات مجمع اللغة العربية تجدونها في موقع المجمع على العنوان التالي: http://www.arabicac.com.

[1] تستند هذه البيانات إلى تقرير مفتشة الموضوع الحالية لتدريس العربية السيدة سيغاليت شوشان، ووردت هذه البيانات أيضًا في التقرير التالي: أيله لانداو- طسرون، عليت أولشطاين، عوفر إفراتي، مناحيم ميلسون، وجاي رون- جلبوع، 2012. تدريس العربية من أين وإلى أين؟ تقرير من لقاءات تعليمية، القدس: المبادرة للبحث التطبيقي في التعليم، المجمع العلمي الوطني الإسرائيلي للعلوم والآداب (بالعبرية).

http://education.academy.ac.il/Admin/Data/Publications/final%20report%20arabic%20instruction.pdf.

مرَّ عامان منذ تقاعد الدكتور شلومو ألون من عمله في وزارة التربية والتعليم، إذ عمل هناك طوال 26 عامًا مفتشًا على تدريس اللغة العربية في المدارس العبرية. التقيناه للحديث معه حول الصعوبات والانجازات والتوصيات للمستقبل.

متى بدأوا بتعليم العربية في المدارس العبرية في البلاد؟

وفقًا لدراسات مختلفة يتبيّن أنّه منذ أواخر القرن التاسع عشر دُرِّست العربية في المدارس في القدس وحيفا وفي بعض البلدات اليهودية الجديدة. نعرف بالتأكيد، مثلاً، أنه في العام 1901 قام إلياهو ميوحاس بتعليم العربية في المدرسة الدينية للبنات “أفلينا دي روتشيلد” في القدس. وحتى في فترة الانتداب كان هنالك حضور لهذا الموضوع في المدارس العبرية، ذلك أنَّ اللغة العربية كانت هي السائدة في البلاد آنذاك. لقد علّموا هذه اللغة كي يتعرّفوا على أوجه الشبه بين اللغتين وكذلك من أجل التحدّث مع السكّان العرب والتواصل معهم.

هل بدأوا بتعليم العربية في المدارس مباشرة بعد قيام الدولة؟

الأمر المثير للاهتمام أنه خلال السنوات الأولى كان هناك مقاومة ضد تدريس اللغة الإنجليزية، كما يبدو بسبب الانتداب، وبالمقابل فقد حظي تدريس العربية بالقبول. ولكن بعد فترة وجيزة تبوّأت اللغة الإنجليزية موقعها كلغة عالمية. بقيت اللغة العربية على مدى سنوات طويلة لغة اختيارية إلى جانب اللغة الفرنسية، إلاَّ أنَّ ذلك تغيّر للأفضل في العقدين الأخيرين. في الوقت الحالي، فإن مقابل كل طالب يتقدّم لامتحان البجروت في اللغة الفرنسية هنالك طالبان على الأقل يتقدّمان لامتحان البجروت في اللغة العربية.

بناءً على بحث شامل أعدّ في السنة الماضية، فقد كان عدد الطلاب الذين يتعلّمون اللغة العربية في جهاز التربية والتعليم حتى العام 2012 على النحو التالي: في المدارس الابتدائية – برنامج “يا سلام” (العربية العامية) – يجري اعتماد هذا البرنامج في 800 غرفة تدريس تتوزّع على 220 مدرسة ويشمل ذلك حوالي 23 ألف طالب. يتم اعتماد هذا البرنامج كموضوع إلزامي في المدارس الواقعة في اللواء الشمالي وفي عدد من المدارس في مناطق أخرى. أما في المدارس الإعدادية تعتبر اللغة العربية موضوع إلزامي في الصفوف السابعة حتى التاسعة، ويتعلّمها حوالي مائة ألف طالب. وفي المدارس الثانوية يتعلّم أكثر من عشرة آلاف طالب في الصف العاشر العربية كلغة إلزامية، كما ويتعلّم حوالي 8,000 طالب العربية لامتحان البجروت في الصفين الحادي عشر والثاني عشر كموضوع اختياري. في المجموع الكلي يتعلّم حاليًا في جهاز التربية والتعليم العبري نحو 141 ألف طالب اللغة العربية في كل الفئات العمرية.[1]

ما هي العقبات الرئيسة أمام تدريس العربية، علاوةً على العداء السياسي؟

اعتقد أنَّ العداء السياسي ليس عنصرًا مهيمنًا في المدارس. تتمثّل العقبة الرئيسة في كون العربية لم تنجح في التمتّع بمكانة ضمن المواضيع الأساس ولم يتم إدراجها ضمن هذه المواضيع. إنَّ تعليم اللغات الثلاث في المدارس العربية إجباري، بما في ذلك لامتحانات البجروت، ولا يمكن الحصول على شهادة بجروت إذا لم يُمتحن الطلاب في العربية والعبرية، في حين أنَّ الأمر ليس كذلك في المدارس العبرية. ولهذا فإنَّ مكانة العربية ليست مرموقة مقارنة بالمواضيع الأخرى.

خلال السنوات الطويلة التي كنتَ فيها مفتشًا هل لمستَ تغييرًا بخصوص تعليم اللغة وفقًا للتغيّرات في الوضع السياسي؟

كانت هناك فترتان بارزتان لصالح اللغة العربية: لقد أفضت النشوة التي تشكّلت في أعقاب حرب حزيران 1967 إلى رغبة الجمهور في تعلّم اللغة العربية بسبب الاتصال المفاجئ والمذهل مع السكّان الفلسطينيّين. كانت حينذاك رغبة في تعلّم اللغة العامية، وتم افتتاح الدورات والمساقات حتى خارج إطار جهاز التعليم، وتم تأليف الكتب التعليمية الجديدة وغير ذلك. كما كانت هناك فترة مشابهة، ولكنها أقلّ عنفوانًا، لوحظت بعد زيارة السادات وتوقيع معاهدة السلام مع مصر.

شهدت الأوقات التي تخلّلتها الأزمات انخفاضًا هنا وهناك، ليس بالإمكان الإشارة إلى وجود علاقة طردية بارزة بين تعليم اللغة والحالة السياسية. كان موقف جميع وزراء التربية والتعليم بخصوص هذا الموضوع، سواء كانوا من اليمين أو اليسار، متدينين أو علمانيّين، بما في ذلك نواب الوزراء من المتدينين المتزمّتين، يتراوح ما بين اللامبالاة وحتى مقولات مثل: تعليم العربية هام جدًا ويجب عدم المس به. وفعلاً، لم يحدث أبدًا أن حاولوا المساس بالموضوع أو إلغاءه.

متى بدأ الدفع قدمًا من أجل جعل تعليم اللغة العربية إلزاميًا؟

بدأت العملية إبّان عهد الوزير يتسحاق نافون، والمعروف عنه أنه كان يتكلّم العربية بطلاقة، ولكن من قام بالعمل الجدي والهام في هذا الجانب كان الوزير أمنون روبنشطاين في مطلع التسيعينيات. كان لدى روبنشطاين وجهة نظر بخصوص تعليم اللغات بشكل عام، وخلال فترة ولايته أصدر وثيقة، لا تزال يتيمة حتى اليوم، بشأن التربية اللغوية في إسرائيل، وتمتّعت اللغة العربية في هذه الوثيقة بمكانة لغة إلزامية. وتم تعريف هذه السياسة في منشور المدير العام للوزارة شوشاني الذي حمل العنوان “ثلاث لغات ونصف”- العبرية، الإنجليزية والعربية إلزامية، أما “النصف” فقد منح خيارًا لتعلّم لغة إضافية أخرى تتكلّم بها مجموعات من السكّان كالروسية، والأمهرية الخ. ولو فحصنا في وثائق وزارة التربية والتعليم، لتبيّن لنا أنَّ منشور المدير العام هذا لا يزال ممثلاً للسياسات حتى الوقت الراهن. ولكني أقول بين هلالين أنه عندما نبقي الوثيقة كما هي ولا نقوم بتغييرها فهذا لا يعني بأننا بالضرورة ننظر إليها بجدية.

من المعروف أنَّ هنالك جدلاً دائرًا حول مسألة أيهما من المفضل أن نعلّم العربية العاميّة أم العربية الفصحى. ما موقفك بشأن هذا الموضوع؟

من الشائع اليوم في العالم معاينة مسألة التسلسل التعليمي، وتدريس ما يطلق عليه العربية الفصحى الحديثة (MSA – Modern Standard Arabic) المستعملة في وسائل الإعلام في أنحاء العالم العربي. أعتقد أنه عندما يتم تعلّم العربية بدون القدرة على القراءة ينشأ عن ذلك واقع هشّ وفضفاض لأنه إذا لم يتواجد الشخص في مجتمع يقدم له الدعم في التكلّم فسرعان ما تختفي اللغة عنده. في مقابل ذلك، فإنَّ القدرة على القراءة تمنح أساسًا لديمومة اللغة حتى لو لم نعش في بيئة تتكلّم العربية. فشل تدريس العربية العامية بالحروف العبرية فشلاً تلو الأخر، ولأسفي الشديد لا يزال هناك من يحاول تكرار هذه التجربة مرة تلو الأخرى. بادرتُ خلال العقد الماضي إلى تبنّي توجّه من نوع آخر في تدريس العربية العامية في المدارس الابتدائية من خلال التكلّم فقط، والتعبير الشفهي وتعليم الطلاب مبادئ وأسس الثقافة في الصفوف الدنيا، وبصورة تدريجية، وتعليم الطلاب في الصف السادس أشكال الأحرف والكتابة. وشاركت في هذه المبادرة منظمات من المجتمع المدني كجمعية “مبادرات صندوق إبراهيم” و “مرحابيم”- كما أنَّ وزارة التربية والتعليم تتبنّى المبادرة وتدعمها. وتلقينا الدعم من مديري الألوية، كما أنَّ ردود فعل الطلاب والأهالي تبعث على الرضا. هذه طريقة إضافية لدمج عدد أكبر من المعلمين العرب، أو بالأصح معلّمات عربيات في المدارس.

لو سمحتَ لي، فلنتوسّع في موضوع دمج معلّمين عرب في المدارس اليهودية. لماذا تستثمر الجهود والموارد في تأهيل معلّمات يهوديات لا تعتبر العربية لغة الأم لديهن، ولا نلجأ إلى استغلال الموارد البشرية القائمة والمتمثّلة في المعلّمين العرب في إسرائيل؟

لنقل الحقيقة، خلال الأزمات والتوتر الأمني فإنَّ حالة المعلّم العربي في المدرسة اليهودية غير مريحة بسبب فهمنا السطحي الذي يعتبر كل عربي متورطًا في العنف والإرهاب. وقد لا يشعر المعلّم العربي بالارتياح في بعض المناسبات كما في يوم الكارثة ويوم الذكرى، وتناهت إلي حالات حتى عن طلاب في المدارس الابتدائية، وضعوا معلّميهم العرب أمام “اختبار” كما يبدو، ما إذا كانوا سيقفون عند انطلاق الصافرة مثلاً. للأسف الشديد فإننا غير متسامحين في هذا الجانب. شاهدتُ في الآونة الأخيرة فيلمًا وثائقيًا عن معلّمة عربية من قرية كفر قرع تدرّس في هود هشارون، والذي يستعرض هذه المعضلات بصورة مباشرة. حاز فيلم “هديل” على جائزة، وأوصي بمشاهدته لكي نفهم على نحو جيد وملموس هذه المعضلات. على الرغم من ذلك، جرت محاولات في الماضي، وهنالك محاولات في الوقت الراهن، لدمج معلّمين عرب في المدارس. استوعبت المدارس العبرية خلال السنوات الماضية أكثر من مائة معلّمة عربية، وخصوصًا من المنطقة الشمالية. وبشكل عام فقد اندمجن بصورة جيدة. اعتقد أنه يوجد لذلك مزايا عديدة. فبالإضافة لحقيقة كون المعلّم العربي يتحدّث العربية أثناء الحصة، فإنه بمثابة وسيط للثقافة ويجلب معه قيمة إضافية لغرفة المعلمين وللصفوف الدراسية.

حتى بعد تقاعدك تواصل الانخراط في مجال تدريس العربية وفي نشاطات أكاديمية وتربوية. إحدى المؤسّسات التي تنشط فيها هي مجمع اللغة العربية، الذي أسس قبل حوالي خمس سنوات. حدثنا عن عمل هذه المؤسّسة.

أنا مستمر كما في الماضي. لست يائسًا، يحذوني الأمل، يجب القيام بأعمال جذرية للغاية. مثلما ذكرت، إذا تمكّنت العربية من النجاح في الدخول ضمن مجال التعليم الأساسي أو كوحدة إلزامية للبجروت فهذا سيعدّ تطوّرًا وتحسّنًا في مكانتها. أتطلع لإسهامات المعاهد والمنظمات الأخرى مثل معهد فان لير في دعم هذا التوجّه. قام صندوق روتشيلد في حينه بتشكيل لجنة مرموقة جدًّا عملت في هذا المجال، ولكن بدون نتائج تذكر. يجب العمل أيضًا في الجامعات لتغيير نظرتها لأقسام اللغة والأدب العربي وملاءمة برامج التعليم حتى تعمل على تأهيل المعلّمين. في الوقت الراهن، فإنّ كل عمداء الجامعات الرائدة في البلاد هم من “المستعربين”، الذين يتحدثون العربية ويجرون أبحاثًا حولها أو مؤرّخين لتاريخ الشرق الأوسط، ولكن هذا غير كافٍ كما يبدو. لست أدري إن كان ذلك صدفة أم لا.

أما بالنسبة لمجمع اللغة العربية، فأنا فخور أن أكون العضو اليهودي الوحيد في إدارته المكوّنة من 19 عضوًا. بعد تأسيس المجمع بفعل قرار من الكنيست، فإنه يعمل حاليًا بوصفه دار نشر للكتب، تعجز الأطر الأخرى عن إصدارها، إضافة إلى أعماله الأخرى. فعلى سبيل المثال، صدر مؤخرًا معجم مكوّن من 600 صفحة بعنوان: “معجم الموتيفات المركزية في شعر محمود درويش” وهو كتاب جميل ورائع. كما وتم تجميع مقالات للأستاذ ساسون سوميخ، الرئيس الفخري للمجمع، وتم نشرها ضمن كتاب باللغتين العربية والإنجليزية. تمّ تسويق هذا الكتاب بصورة هائلة ونفاذه بسرعة شديدة. كما وصدرت ثلاثة أعداد من مجلة المجمع، وعما قريب سيرى النور العدد الرابع. ويجري العمل على قاموس جديد ولكن بوتيرة بطيئة. تعمل اللجان المختلفة في المجمّع على مسألة توفير اصطلاحات عربية للكلمات الحديثة، وهي على اتصال بالجمهور من خلال مركّزين ميدانيّين، الذين ينشطون داخل المجتمع العربي. عمّا قريب سوف ألتقي مع رئيس السكرتارية التربوية كي أقترح عليه الاستعانة بأعضاء المجمع من أجل إعطاء دروس إثراء بالعربية في المدارس العربية واليهودية. كما ويحاول أعضاء المجمع الاتصال بمجامع اللغة العربية في الدول العربية. ووجّهت قبل فترة وجيزة دعوة إلى رئيس المجمع الأستاذ محمود غنايم لمؤتمر عُقد في الدوحة شارك فيه جميع رؤساء المجامع اللغوية العربية في العالم العربي. وهذا إنجاز رائع.

وفي الختام يدعونا الدكتور ألون للإطلاع على تقرير المجمع العلمي الوطني الإسرائيلي للعلوم والآداب والاقتراحات الهامة التي وردت فيه بغية دعم وتحسين مستوى تعليم اللغة العربية في المدارس العبرية (يُنظر الحاشية أعلاه).

تفاصيل إضافية حول نشاطات مجمع اللغة العربية تجدونها في موقع المجمع على العنوان التالي: http://www.arabicac.com.

[1] تستند هذه البيانات إلى تقرير مفتشة الموضوع الحالية لتدريس العربية السيدة سيغاليت شوشان، ووردت هذه البيانات أيضًا في التقرير التالي: أيله لانداو- طسرون، عليت أولشطاين، عوفر إفراتي، مناحيم ميلسون، وجاي رون- جلبوع، 2012. تدريس العربية من أين وإلى أين؟ تقرير من لقاءات تعليمية، القدس: المبادرة للبحث التطبيقي في التعليم، المجمع العلمي الوطني الإسرائيلي للعلوم والآداب (بالعبرية).

http://education.academy.ac.il/Admin/Data/Publications/final%20report%20arabic%20instruction.pdf.

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות