ד"ר רנא זהר
Below are share buttons

اللغة والقومية: اللغة العربية في إسرائيل

عدد 02,

إن النقاشات الأكاديمية بخصوص اللغات التي يتم تعلّمها والتي ينطق بها في إسرائيل- بما في ذلك النقاشات الدائرة بشأن هيمنة اللغة العبرية، ومكانة اللغة العربية، وعملية تعليم العربية في جهاز التربية والتعليم لأغراض أمنية، والاستخدام الواسع للغة الروسية في السياقات الرسمية، ودور اللغة الأمهرية في المشهد اللغوي المعقّد في إسرائيل- جميعها تعتبر جزءًا من النقاشات الأكاديمية الواسعة حول مسألة علم اللسانيات الاجتماعية، والذي يحمل عنوان اللغة والقومية.

هنالك الكثير من الكتابات في الفترة الأخيرة حول العلاقات القائمة بين اللغة والمجتمع. من الصَّعب في وقتنا الراهن اعتبار اللغة مجرّد وسيلة اتصال، معزولة عن بيئتها وغير مرتبطة بها, وقد تعرَّض طرح عالِم اللسانيات نعوم تشومسكي, الذي يؤمن باستقلالية الجهاز اللغوي في الدماغ, للانتقاد ويتم استبداله اليوم بنماذج غير وضعية وما بعد البنيوية والتي تقدّم تصوّرًا شموليًا للغة وترى فيها عاملاً متفاعلاً ذا أهمية كبيرة في المشهد الأيديولوجي العام، أي المجتمع البشري. وفقًا لبعض النماذج السائدة للغة والمجتمع، تؤثّر التركيبة الاجتماعية على البنية اللغوية مثلما يؤثّر الجيل، والنوع الاجتماعي، والمكانة الاقتصادية-الاجتماعية، ومستوى الثقافة وعوامل اجتماعية أخرى للمتحدِّث على لغته. من جانب آخر، هنالك من يدّعون أنَّ البنية اللغوية هي التي تحدّد التركيبة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال, لا الحصر, يصف طرح سابير- وورف (Sapir-Whorf Hypothesis) منظومة العلاقات القائمة بين اللغة والمجتمع, ويناقش إنَّ اللغات من شأنها أن تعتمد التمييز الجنسي بنيويا رغم ان الناطقين بها ليسوا كذلك.[1] علاوةً على مفهوم وطرح نعوم تشومسكي وكذلك التصوّر الشمولي، يدَّعي تصوّر ثالث أنَّ التركيبة الاجتماعية والبنية اللغوية هما كيانان يقيمان مع بعضهما علاقات متبادلة ويغذي أحدهما الآخر. واحدة من صيغ هذا المنهج هي المنهج الماركسي، بناءً عليه فإنَّ العلاقة بين اللغة والمجتمع هي علاقة جدلية من التفاعل المستمر بين السلوكيات الاجتماعية والسلوكيات اللغوية.

من جهة اخرى, يؤيد معظم علماء اللسانيات طرح ما بعد الحداثة الذي يرى بأنه لا توجد لغة بطبيعتها أفضل وأرفع من لغة أخرى. ولكن، في الواقع يلاحظ وجود توزيع اجتماعي غير متكافئ بين مجموعة اللغات واللهجات، وكذلك الاستعمال غير المتساوي لها، مثلما تبرهن على ذلك الأمثلة السابقة للنقاشات الأكاديمية حول مسألة اللغات التي يتم تعلّمها والتي ينطق بها في إسرائيل. باعتقادي تعتبر قضية الهيمنة والسيطرة جزءًا لا يتجزّأ من النقاشات حول اللغات وتوزيعها الاجتماعي في كل مجتمع, فعلى سبيل المثال, يعتبر بيير بورديو[2] اللغات أسواقًا رمزية يسيطر بعض الناس فيها على سلع أكثر من غيرهم، في حين أن بعض اللغات أو اللهجات تمتاز بقوة رمزية أكبر ولهذا تعزى لها قيمة أكبر.

السياق الإسرائيلي

في الواقع السائد في إسرائيل، بالإمكان الرد على أسئلة كتلك المذكورة أعلاه استنادًا إلى وجهات نظر متعدّدة، وعلى الرغم من ذلك ليس بمقدورنا تجاهل حقيقة كون اللغات تتصرّف تصرفًا رمزيًا في هذا السياق، بما في ذلك كونها حاملة للهوية القومية. ولهذا، فإنَّ النقاشات العاصفة حول هوية الدولة تنعكس أيضًا في المواجهة القائمة بين لغات الدولة وتنعكس في المواجهة بين الطبقات السائدة فيها أيضًا. يعكس توزيع اللغات في إسرائيل بالضرورة المكانة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجموعات الإثنية التي تنطق بهذه اللغات. كلما تمتّعت مجموعة إثنية معينة بسلطة وقوة سياسية واقتصادية اجتماعية أكبر، كلما تمتّعت لغتها أو لهجتها بمكانة مهيمنة أكثر. حسب تحليلات ميشيل فوكو،[3] فإنَّ القوة والمعرفة مرتبطان بعضهما ببعض بشكل أساس, وتعتمد فرص الوصول إلى مصادر القوة على إمكانية الوصول إلى معرفة اللغة والخطاب ذي الصلة، وبالعكس، فإنَّ عدم إتاحة الفرصة أمام اللغة يؤدّي إلى إقصاء الكثير من الفئات السكانية من دائرة صنع القرار.

أكّد توماس كاموسيلا[4] على دور اللغة في نموذج القومية الإثنية. بداية، حسب طرحه، تعتبر اللغة العامل الموحّد الرئيسي للأمم، وخاصة في الدول القومية في خضم عملية تشكّلها. ثانيًا، تعتبر اللغة واحدًا من حرّاس الأمة على أسوارها الخارجية الأخيرة، وتعتمد إقصاء الأشخاص ذوي المعرفة غير الكافية بلغة الأم من الأدوار الرئيسة. باعتقادي, تعتبر إسرائيل دولة قائمة اكتملت عملية تشكّلها، ولكنها لا تزال حتى الآن في طور بلورة هويتها. وقد أدَّت النقاشات العاصفة التي جرت في الآونة الأخيرة حول يهودية الدولة، إلى جانب الخلافات القديمة حول الديمقراطية الإثنية المعتمدة فيها، إلى تكوين واقع متوتّر ذي تأثير حتميّ على المشهد اللغوي في إسرائيل. وحتى لو تمكّنت إسرائيل في أن تبلور لذاتها هوية مستقرة، وطنية ولغوية على حد سواء، فليس هناك ما يضمن أن يدوم هذا الاستقرار لفترة طويلة، نظرًا لأنَّ القومية هي اصطلاح دينامي بمكوّناته المختلفة (اللغة، والدين، والثقافة، والتاريخ وغير ذلك) وبالإمكان التعتيم أو تسليط الضوء على واحد من هذه المكوّنات على حساب الآخر استجابة للمتغيرات الجيو سياسية.

بناءً على ما ذكر أعلاه فبإمكاني الادعاء أنَّ العربية، على الرغم من كونها لغة رسمية في إسرائيل، فإنه يتم الدفع بها إلى الهامش ليس بسبب كونها تفتقر إلى مصادر القوة، بل لأنَّ مصادر عظمتها تعرّضت للتخريب من خلال اعتماد سياسات لغوية وسياسات تدريس لغوية مقصودة، تكيَّفت أهدافها مع أيديولوجية الدولة. لا تفتقر العربية لمصادر القوة الكامنة، كما يسود الاعتقاد. فمن الناحية السياسية، تعتبر اللغة العربية لغة منطقة الشرق الأوسط بكاملها وهي لغة التواصل المشترك (اللينغا فرَنكا) للعالم العربي برمته. من الناحية الاقتصادية، فإنَّ العربية هي لغة مجتمع كامل ذي قوة اقتصادية هائلة ولكنّه لا يتم استغلالها. ومن الناحية المدنية في البلاد، تعتبر اللغة العربية لغة ينطق بها 20% من مواطني الدولة، وبإمكانهم إثراء الساحة الثقافية من خلالها.

على الرغم من ذلك، فإنَّ دولة إسرائيل لا تسعى إلى دمج مواطنيها العرب بشكل تام في المجتمع المدني، وفي الآن ذاته فإنها غير معنية باندماج مواطنيها من العرب في العالم العربي. ونتيجة لذلك فقد تشكّلت في إسرائيل هوية عربية مرتبكة ومشوَّهة. وعلى نحو مشابه، فإنَّ دولة إسرائيل لا تعمل من أجل تعزيز وترسيخ المكانة الرسمية للغة العربية، مع أنها لا تلغي هذه المكانة تمامًا، مما يساهم في تشوّه اللغة وتعزيز غموض مكانتها. للأسف الشديد، هذه هي حالة الهوية القومية العربية عامة، وكذلك حال اللغة العربية في إسرائيل في الوقت الراهن. تعتبر اللغة واحدًا من المكوّنات المركزية العديدة للقومية، وضياعها يؤدّي إلى ضياع الهوية القومية للأمة. إن إصلاح واستعادة عظمة اللغة العربية وتمكين الناطقين بها هي أهداف ذات أهمية عليا لضمان أن ينشأ في إسرائيل مجتمع مدني سليم وغير مشوَّه.

د. رنا زهر، محاضرة في قسم اللغة والأدب الإنكليزي في الكلية الأكاديمية للتربية أورانيم، وفي مدرسة الطلاب الأجانب في جامعة حيفا. تشمل مجالات اهتماماتها البحثية علم اللسانيات الاجتماعية، واللغة والجندر، واللغة والقومية.

[1] أحد المؤيدين لهذا الطرح هو باسيل برنشتاين، يُنظر: Basil Bernstein (1961). “Social Structure, Language and Learning,” Educational Research 3, pp. 163-176

[2] يُنظر، بيير بورديو (2007). الرمز والسلطة، ط 3، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، الدار البيضاء: دار توبقال؛ Pierre Bourdieu (1991). Language and Symbolic Power, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.

[3] يُنظر، ميشيل فوكو (1990). المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، ترجمة علي مقلد، بيروت: مركز الإنماء القومي؛ Michel Foucault (1979). Discipline and Punishment, New York: Vintage

[4] يُنظر، Tomasz D.I. Kamusella, 2001. “Language as An Instrument of Nationalism in Central Europe,” Nations and Nationalism 7(2), 235-252.

إن النقاشات الأكاديمية بخصوص اللغات التي يتم تعلّمها والتي ينطق بها في إسرائيل- بما في ذلك النقاشات الدائرة بشأن هيمنة اللغة العبرية، ومكانة اللغة العربية، وعملية تعليم العربية في جهاز التربية والتعليم لأغراض أمنية، والاستخدام الواسع للغة الروسية في السياقات الرسمية، ودور اللغة الأمهرية في المشهد اللغوي المعقّد في إسرائيل- جميعها تعتبر جزءًا من النقاشات الأكاديمية الواسعة حول مسألة علم اللسانيات الاجتماعية، والذي يحمل عنوان اللغة والقومية.

هنالك الكثير من الكتابات في الفترة الأخيرة حول العلاقات القائمة بين اللغة والمجتمع. من الصَّعب في وقتنا الراهن اعتبار اللغة مجرّد وسيلة اتصال، معزولة عن بيئتها وغير مرتبطة بها, وقد تعرَّض طرح عالِم اللسانيات نعوم تشومسكي, الذي يؤمن باستقلالية الجهاز اللغوي في الدماغ, للانتقاد ويتم استبداله اليوم بنماذج غير وضعية وما بعد البنيوية والتي تقدّم تصوّرًا شموليًا للغة وترى فيها عاملاً متفاعلاً ذا أهمية كبيرة في المشهد الأيديولوجي العام، أي المجتمع البشري. وفقًا لبعض النماذج السائدة للغة والمجتمع، تؤثّر التركيبة الاجتماعية على البنية اللغوية مثلما يؤثّر الجيل، والنوع الاجتماعي، والمكانة الاقتصادية-الاجتماعية، ومستوى الثقافة وعوامل اجتماعية أخرى للمتحدِّث على لغته. من جانب آخر، هنالك من يدّعون أنَّ البنية اللغوية هي التي تحدّد التركيبة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال, لا الحصر, يصف طرح سابير- وورف (Sapir-Whorf Hypothesis) منظومة العلاقات القائمة بين اللغة والمجتمع, ويناقش إنَّ اللغات من شأنها أن تعتمد التمييز الجنسي بنيويا رغم ان الناطقين بها ليسوا كذلك.[1] علاوةً على مفهوم وطرح نعوم تشومسكي وكذلك التصوّر الشمولي، يدَّعي تصوّر ثالث أنَّ التركيبة الاجتماعية والبنية اللغوية هما كيانان يقيمان مع بعضهما علاقات متبادلة ويغذي أحدهما الآخر. واحدة من صيغ هذا المنهج هي المنهج الماركسي، بناءً عليه فإنَّ العلاقة بين اللغة والمجتمع هي علاقة جدلية من التفاعل المستمر بين السلوكيات الاجتماعية والسلوكيات اللغوية.

من جهة اخرى, يؤيد معظم علماء اللسانيات طرح ما بعد الحداثة الذي يرى بأنه لا توجد لغة بطبيعتها أفضل وأرفع من لغة أخرى. ولكن، في الواقع يلاحظ وجود توزيع اجتماعي غير متكافئ بين مجموعة اللغات واللهجات، وكذلك الاستعمال غير المتساوي لها، مثلما تبرهن على ذلك الأمثلة السابقة للنقاشات الأكاديمية حول مسألة اللغات التي يتم تعلّمها والتي ينطق بها في إسرائيل. باعتقادي تعتبر قضية الهيمنة والسيطرة جزءًا لا يتجزّأ من النقاشات حول اللغات وتوزيعها الاجتماعي في كل مجتمع, فعلى سبيل المثال, يعتبر بيير بورديو[2] اللغات أسواقًا رمزية يسيطر بعض الناس فيها على سلع أكثر من غيرهم، في حين أن بعض اللغات أو اللهجات تمتاز بقوة رمزية أكبر ولهذا تعزى لها قيمة أكبر.

السياق الإسرائيلي

في الواقع السائد في إسرائيل، بالإمكان الرد على أسئلة كتلك المذكورة أعلاه استنادًا إلى وجهات نظر متعدّدة، وعلى الرغم من ذلك ليس بمقدورنا تجاهل حقيقة كون اللغات تتصرّف تصرفًا رمزيًا في هذا السياق، بما في ذلك كونها حاملة للهوية القومية. ولهذا، فإنَّ النقاشات العاصفة حول هوية الدولة تنعكس أيضًا في المواجهة القائمة بين لغات الدولة وتنعكس في المواجهة بين الطبقات السائدة فيها أيضًا. يعكس توزيع اللغات في إسرائيل بالضرورة المكانة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجموعات الإثنية التي تنطق بهذه اللغات. كلما تمتّعت مجموعة إثنية معينة بسلطة وقوة سياسية واقتصادية اجتماعية أكبر، كلما تمتّعت لغتها أو لهجتها بمكانة مهيمنة أكثر. حسب تحليلات ميشيل فوكو،[3] فإنَّ القوة والمعرفة مرتبطان بعضهما ببعض بشكل أساس, وتعتمد فرص الوصول إلى مصادر القوة على إمكانية الوصول إلى معرفة اللغة والخطاب ذي الصلة، وبالعكس، فإنَّ عدم إتاحة الفرصة أمام اللغة يؤدّي إلى إقصاء الكثير من الفئات السكانية من دائرة صنع القرار.

أكّد توماس كاموسيلا[4] على دور اللغة في نموذج القومية الإثنية. بداية، حسب طرحه، تعتبر اللغة العامل الموحّد الرئيسي للأمم، وخاصة في الدول القومية في خضم عملية تشكّلها. ثانيًا، تعتبر اللغة واحدًا من حرّاس الأمة على أسوارها الخارجية الأخيرة، وتعتمد إقصاء الأشخاص ذوي المعرفة غير الكافية بلغة الأم من الأدوار الرئيسة. باعتقادي, تعتبر إسرائيل دولة قائمة اكتملت عملية تشكّلها، ولكنها لا تزال حتى الآن في طور بلورة هويتها. وقد أدَّت النقاشات العاصفة التي جرت في الآونة الأخيرة حول يهودية الدولة، إلى جانب الخلافات القديمة حول الديمقراطية الإثنية المعتمدة فيها، إلى تكوين واقع متوتّر ذي تأثير حتميّ على المشهد اللغوي في إسرائيل. وحتى لو تمكّنت إسرائيل في أن تبلور لذاتها هوية مستقرة، وطنية ولغوية على حد سواء، فليس هناك ما يضمن أن يدوم هذا الاستقرار لفترة طويلة، نظرًا لأنَّ القومية هي اصطلاح دينامي بمكوّناته المختلفة (اللغة، والدين، والثقافة، والتاريخ وغير ذلك) وبالإمكان التعتيم أو تسليط الضوء على واحد من هذه المكوّنات على حساب الآخر استجابة للمتغيرات الجيو سياسية.

بناءً على ما ذكر أعلاه فبإمكاني الادعاء أنَّ العربية، على الرغم من كونها لغة رسمية في إسرائيل، فإنه يتم الدفع بها إلى الهامش ليس بسبب كونها تفتقر إلى مصادر القوة، بل لأنَّ مصادر عظمتها تعرّضت للتخريب من خلال اعتماد سياسات لغوية وسياسات تدريس لغوية مقصودة، تكيَّفت أهدافها مع أيديولوجية الدولة. لا تفتقر العربية لمصادر القوة الكامنة، كما يسود الاعتقاد. فمن الناحية السياسية، تعتبر اللغة العربية لغة منطقة الشرق الأوسط بكاملها وهي لغة التواصل المشترك (اللينغا فرَنكا) للعالم العربي برمته. من الناحية الاقتصادية، فإنَّ العربية هي لغة مجتمع كامل ذي قوة اقتصادية هائلة ولكنّه لا يتم استغلالها. ومن الناحية المدنية في البلاد، تعتبر اللغة العربية لغة ينطق بها 20% من مواطني الدولة، وبإمكانهم إثراء الساحة الثقافية من خلالها.

على الرغم من ذلك، فإنَّ دولة إسرائيل لا تسعى إلى دمج مواطنيها العرب بشكل تام في المجتمع المدني، وفي الآن ذاته فإنها غير معنية باندماج مواطنيها من العرب في العالم العربي. ونتيجة لذلك فقد تشكّلت في إسرائيل هوية عربية مرتبكة ومشوَّهة. وعلى نحو مشابه، فإنَّ دولة إسرائيل لا تعمل من أجل تعزيز وترسيخ المكانة الرسمية للغة العربية، مع أنها لا تلغي هذه المكانة تمامًا، مما يساهم في تشوّه اللغة وتعزيز غموض مكانتها. للأسف الشديد، هذه هي حالة الهوية القومية العربية عامة، وكذلك حال اللغة العربية في إسرائيل في الوقت الراهن. تعتبر اللغة واحدًا من المكوّنات المركزية العديدة للقومية، وضياعها يؤدّي إلى ضياع الهوية القومية للأمة. إن إصلاح واستعادة عظمة اللغة العربية وتمكين الناطقين بها هي أهداف ذات أهمية عليا لضمان أن ينشأ في إسرائيل مجتمع مدني سليم وغير مشوَّه.

د. رنا زهر، محاضرة في قسم اللغة والأدب الإنكليزي في الكلية الأكاديمية للتربية أورانيم، وفي مدرسة الطلاب الأجانب في جامعة حيفا. تشمل مجالات اهتماماتها البحثية علم اللسانيات الاجتماعية، واللغة والجندر، واللغة والقومية.

[1] أحد المؤيدين لهذا الطرح هو باسيل برنشتاين، يُنظر: Basil Bernstein (1961). “Social Structure, Language and Learning,” Educational Research 3, pp. 163-176

[2] يُنظر، بيير بورديو (2007). الرمز والسلطة، ط 3، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، الدار البيضاء: دار توبقال؛ Pierre Bourdieu (1991). Language and Symbolic Power, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.

[3] يُنظر، ميشيل فوكو (1990). المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، ترجمة علي مقلد، بيروت: مركز الإنماء القومي؛ Michel Foucault (1979). Discipline and Punishment, New York: Vintage

[4] يُنظر، Tomasz D.I. Kamusella, 2001. “Language as An Instrument of Nationalism in Central Europe,” Nations and Nationalism 7(2), 235-252.

Below are share buttons

גליונות אחרונים

לכל הגליונות